تفسير سورة إبراهيم تفسير الطبري

تفسير سورة إبراهيم بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 14 في المصحف الكريم وعدد آياتها 52.

تفسير آيات سورة إبراهيم

من
إلى
المفسرون

تفسير الر ۚ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)

القول في تأويل قوله جل ذكره الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)
قال أبو جعفر الطَبَريّ : قد تقدم منا البيان عن معنى قوله : " الر " ، فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (19)
* * *
وأما قوله: (كتاب أنـزلناه إليك ) فإن معناه: هذا كتاب أنـزلناه إليك ، يا محمد ، يعني القرآن( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) يقول: لتهديهم به من ظلمات الضلالة والكفرِ ، إلى نور الإيمان وضيائه ، وتُبصِّر به أهلَ الجهل والعمَى سُبُل الرَّشاد والهُدَى. (20)
وقوله: ( بإذن ربهم) يعني: بتوفيق ربهم لهم بذلك ولطفه بهم (21) ( إلى صراط العزيز الحميد) يعني: إلى طريق الله المستقيم ، وهو دينه الذي ارتضاه ، وشَرَعُه لخلقه. (22)
* * *
و (الحميد) ، " فعيل " ، صُرِف من " مفعول " إلى " فَعيل " ، ومعناه: المحمود بآلائه . (23)
* * *
وأضاف تعالى ذكره إخراجَ الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربِّهم لهم بذلك ، إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو الهادي خَلْقَه ، والموفقُ من أحبَّ منهم للإيمان ، إذ كان منه دعاؤهم إليه ، وتعريفهُم ما لهم فيه وعليهم . فبيّنٌ بذلك صِحة قولِ أهل الإثبات الذين أضافوا أفعال العباد إليهم كَسبًا ، وإلى الله جل ثناؤه إنشاءً وتدبيرًا ، وفسادُ قول أهل القَدر الذين أنكرُوا أن يكون لله في ذلك صُنْعٌ. (24)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
20559- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله: ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) ، أي من الضلالة إلى الهدى.
-------------------------
الهوامش :
(20) انظر مراجع ألفاظ الآية فيما سلف من فهارس اللغة .
(21) انظر تفسير " الإذن " فيما سلف قريبًا : 476 ، تعليق : 3 والمراجع هناك .
(22) انظر تفسير " الصراط " فيما سلف 12 : 556 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
وقد أغفل تفسير " العزيز " ، فانظر ما سلف 15 : 373 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك
(23) انظر تفسير " الحميد " فيما سلف 5 : 570/ 9: 296/ 15 : 400 .
(24) " أهل الإثبات " ، هم أهل السنة مثبتو الصفات . و " أهل القدر " هم المعتزلة ، ومن أنكر القدر .

تفسير اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قَرأة المدينة والشأم : " اللهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السماوات " برفع اسم " الله " على الابتداء ، وتصيير قوله: ( الذي له ما في السماوات ) ،خبرَه.
* * *
وقرأته عامة قرأة أهل العراق والكوفة والبصرة: ( اللهِ الَّذِي ) بخفض اسم الله على إتباع ذلك الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، وهما خفضٌ.
* * *
وقد اختلف أهل العربية في تأويله إذ قرئ كذلك .
فذكر عن أبي عمرو بن العَلاء أنه كان يقرؤه بالخفض. ويقول: معناه: بإذن ربهم إلى صرَاط [ الله ] العزيز الحميدِ الذي له ما في السماوات . (25) ويقول: هو من المؤخَّر الذي معناه التقديم ، ويمثله بقول القائل: " مررتُ بالظَّريف عبد الله " ، والكلام الذي يوضع مكانَ الاسم النَّعْتُ ، ثم يُجْعَلُ الاسمُ مكان النعت ، فيتبع إعرابُه إعرابَ النعت الذي وُضع موضع الاسم ، كما قال بعض الشعراء:
لَــوْ كُــنْتُ ذَا نَبْــلٍ وَذَا شَـزِيبِ
مَـا خِـفْتُ شَـدَّاتِ الخَـبِيثِ الـذِّيبِ (26)
* * *
وأما الكسائي فإنه كان يقول فيما ذكر عنه: مَنْ خفضَ أراد أن يجعلَه كلامًا واحدًا ، وأتبع الخفضَ الخفضَ ، وبالخفض كان يَقْرأ.
* * *
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القُرّاء ، معناهما واحدٌ ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد يجوز أن يكون الذي قرأه بالرفع أراد مَعْنَى مَنْ خفضَ في إتباع الكلام بعضِه بعضًا ، ولكنه رفع لانفصاله من الآية التي قبله ، كما قال جل ثناؤه: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلى آخر الآية ثم قال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ [سورة التوبة : 111 ، 112] . (27)
* * *
ومعنى قوله: ( اللهِ الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) اللهِ الذي يملك جميع ما في السماوات ومَا في الأرض .
يقول لنييه محمد صلى الله عليه وسلم: أنـزلنا إليك هذا الكتاب لتدعُوَ عِبادي إلى عِبَادة مَنْ هذه صفته ، وَيَدعُو عبادَةَ من لا يملك لهم ولا لنفسه ضَرًّا ولا نفعًا من الآلهة والأوثان. ثم توعّد جل ثناؤه من كفر به ، ولم يستجب لدعاء رسوله إلى ما دعاه إليه من إخلاص التوحيد له فقال: ( وويْلٌ للكافرين من عذاب شديد ) يقول: الوادِي الذي يسيلُ من صديد أهل جهنم ، لمن جحد وحدانيته ، وعبد معه غيره ، مِن عَذَاب الله الشَّدِيد. (28)
-----------------------------------
الهوامش :
(25) زدت ما بين القوسين لأنه حق الكلام ، وإلا لم يكن المعنى على " المؤخر الذي معناه التقديم " كما سيأتي ، بل كان يكون على التطويل والزيادة ، وهو باطل . وهو إغفال من عجلة الناسخ وسبق قلمه .
(26) غاب عني مكان الرجز . و " الشزيب " و " الشزبة " ، ( بفتح فسكون ) ، من أسماء القوس ، وهي التي ليست بجديد ولا خلق ، كأنها شزب قضيبها ، أي ذبل . و " الشدة " ، ( بفتح الشين ) الحملة ، يقال : " شد على العدو " ، أي حمل .
(27) انظر ما قاله أبو جعفر في الآية ، فيما سلف 14 : 500 ، التعليق رقم : 2 .
(28) انظر تفسير " الويل " فيما سلف 2 : 267 - 269 ، 237 .

تفسير الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله: ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ) ، الذين يختارون الحياة الدنيا ومتاعها ومعاصي الله فيها ، على طاعة الله وما يقرِّبهم إلى رضاه من الأعمال النافعة في الآخرة (29) ( وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ، يقول: ويمنعون من أراد الإيمان بالله واتّباعَ رسوله على ما جاء به من عند الله ، من الإيمان به واتباعه (30) ( وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا )يقول: ويلتمسون سَبِيل الله وهي دينه الذي ابتعث به رسوله ( عوجًا ) : تحريفًا وتبديلا بالكذب والزّور. (31)
* * *
" والعِوَج " بكسر العين وفتح الواو ، في الدين والأرض وكل ما لم يكن قائمًا ، فأما في كلِّ ما كان قائمًا ، كالحائط والرمح والسنّ ، فإنه يقال بفتح العين والواو جميعًا " عَوَج ". (32)
* * *
يقول الله عز ذكره: ( أولئك في ضلال بعيد ) يعني هؤلاء الكافرين الذين يستحبُّون الحياة الدنيا على الآخرة . يقول: هم في ذهابٍ عن الحق بعيد ، وأخذ على غير هُدًى ، وجَوْر عن قَصْد السبيل. (33)
* * *
وقد اختلف أهل العربية في وجه دخول " على " في قوله: ( على الآخرة ) ، فكان بعض نحويى البَصْرة يقول: أوصل الفعل بـ" على " كما قيل: " ضربوه في السيف " ، يريد بالسيف ، (34) وذلك أن هذه الحروف يُوصل بها كلها وتحذَف ، نحو قول العرب: " نـزلتُ زيدًا " ، و " مررت زيدًا " ، يريدون: مررت به ، ونـزلت عليه.
* * *
وقال بعضهم: إنما أدخل ذلك ، لأن الفعل يؤدِّي عن معناه من الأفعال ، (35) ففي قوله: ( يستحبون الحياة الدنيا ) معناه يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، ولذلك أدخلت " على ".
وقد بيَّنت هذا ونظائره في غير موضع من الكتاب ، بما أغنى عن الإعادة. (36)
----------------------
الهوامش :
(29) انظر تفسير " الاستحباب " فيما سلف 14 : 175 .
(30) انظر تفسير " الصد " فيما سلف : 467 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
وتفسير " السبيل " فيما سلف من فهارس اللغة .
(31) انظر تفسير " الابتغاء " فيما سلف 15 : 285 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
وتفسير " العوج " فيما سلف 15 : 285 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(32) انظر بيانًا آخر عن " العوج " فيما سلف 12 : 448 ، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 335 ، وفيه خطأ بين هناك .
(33) انظر تفسير " الضلال " فيما سلف من فهارس اللغة .
(34) انظر ما سيأتي : 534 ، تعليق : 1 .
(35) قوله : " يؤدي عن معناه من الأفعال " ، أي يتضمن معنى فعل غيره .
(36) انظر " مباحث النحو والعربية وغيرها " ، فيما سلف من أجزاء هذا الكتاب .

تفسير وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا إلى أمة من الأمم ، يا محمد، من قبلك ومن قبلِ قومك ، رسولا إلا بلسان الأمة التي أرسلناه إليها ولغتهم ( ليبين لهم ) يقول: ليفهمهم ما أرسله الله به إليهم من أمره ونَهيه ، ليُثْبت حجة الله عليهم ، ثم التوفيقُ والخذلانُ بيد الله ، فيخذُل عن قبول ما أتاه به رسُوله من عنده من شاء منهم ، ويوفّق لقبوله من شاء ولذلك رفع " فيُضلُّ" ، لأنه أريد به الابتداء لا العطف على ما قبله ، كما قيل: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ [ سورة الحج : 5 ] (وهو العزيز) (37) الذي لا يمتنع مما أراده من ضلال أو هداية من أرادَ ذلك به (الحكيم) ، في توفيقه للإيمان من وفَّقه له ، وهدايته له من هداه إليه ، وفي إضلاله من أضلّ عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره. (38)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
20560- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) ، أي بلغة قومه ما كانت . قال الله عز وجلّ: ( ليبين لهم ) الذي أرسل إليهم ، ليتخذ بذلك الحجة . قال الله عز وجلّ: ( فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ).
--------------------------
الهوامش :
(37) انظر تفسير " العزيز " ، فيما سلف قريبًا : 511 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(38) انظر تفسير " الحكيم " فيما سلف من فهارس اللغة .

تفسير وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا وحُجَجنا من قبلك يا محمد ، كما أرسلناك إلى قومك بمثلها من الأدلة والحجج (39) كما:
20561- حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ح (40) وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسن الأشيب ، قال ، حدثنا ورقاء ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ح (41) وحدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجَاهد ، في قول الله: ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال: بالبينات.
20562- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) قال: التسعُ الآيات ، الطُّوفانُ وما معه.
20563- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( أرسلنا موسى بآياتنا ) قال: التسعُ البَيِّناتُ.
20564- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
* * *
وقوله: ( أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) ،كما أنـزلنا إليك ، يا محمد ، هذا الكتاب لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم . ويعني بقوله: ( أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) ، أن ادعهم ، (42) من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان ، كما:-
20565- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله: ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ) يقول: من الضلالة إلى الهدى.
20566- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله.
* * *
وقوله: ( وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ) يقول عز وجلّ: وعِظْهُم بما سلف من نِعَمِي عليهم في الأيام التي خلت فاجتُزِئ بذكر " الأيام " من ذكر النعم التي عناها ، لأنها أيام كانت معلومة عندهم ، أنعم الله عليهم فيها نعمًا جليلةً ، أنقذهم فيها من آل فرعون بعدَ ما كانوا فيما كانوا [فيه] من العذاب المُهِين ، وغرَّق عدوَّهم فرعونَ وقومَه ، وأوْرَثهم أرضهم وديارَهم وأموالَهم.
* * *
وكان بعض أهل العربية يقول: معناه: خوَّفهم بما نـزل بعادٍ وثمودَ وأشباههم من العذاب ، وبالعفو عن الآخرين: قال: وهو في المعنى كقولك: " خُذْهم بالشدة واللين ".
* * *
وقال آخرون منهم: قد وجدنا لتسمية النّعم بالأيام شاهدًا في كلامهم. ثم استشهد لذلك بقول عمرو بن كلثوم:
وَأَيَّـــامِ لَنَـــا غُــرٍّ طِــوَالٍ
عَصَيْنَــا الْمَلْــكَ فِيهَــا أَنْ نَدِينَـا (43)
وقال: فقد يكون إنما جَعَلها غُرًّا طِوالا لإنعامهم على الناس فيها. وقال: فهذا شاهدٌ لمن قال: ( وذكرهم بأيام الله ) بنعم الله. ثم قال: وقد يكون تَسْميتُها غُرًّا ، لعلوّهم على المَلِكِ وامتناعهم منه ، فأيامهم غرّ لهم ، وطِوالٌ على أعدائهم. (44)
* * *
قال أبو جعفر: وليس للذي قال هذا القول ، من أنّ في هذا البيت دليلا على أن " الأيام " معناها النعم ، وجهٌ . لأنَّ عمرو بن كلثوم إنما وصفَ ما وصف من الأيام بأنها " غُرّ" ، لعزّ عشيرته فيها ، وامتناعهم على المَلِك من الإذعان له بالطاعة ، وذلك كقول الناس: " ما كان لفلان قطُّ يومٌ أبيض " ، يعنون بذلك: أنه لم يكن له يومٌ مذكورٌ بخير. وأمّا وصفه إياها بالطولِ ، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدَّة ، كما قال النابغة:
كِــلِينِي لِهَــمٍّ يَـا أُمَيْمَـةَ نَـاصِبِ
وَلَيْــلٍ أُقَاسِــيهِ بَطِـيء الكَـوَاكِبِ (45)
فإنما وصفها عَمْرٌو بالطول ، لشدة مكروهها على أعداء قومه . ولا وجه لذلك غيرُ ما قلت.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
20567- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ قال ، حدثنا فُضَيْل بن عِيَاض ، عن ليث ، عن مجاهد: ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال: بأنْعُم الله.
20568- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عُبَيْدٍ المُكْتِب ، عن مجاهد: ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال: بنعم الله. (46)
20569- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن عبيدٍ المُكْتِب، عن مجاهد ، مثله.
20570- حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عبثر ، عن حصين ، عن مجاهد ، مثله. (47)
20571- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ح وحدثني الحارث قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا ورقاء جميعًا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( بأيام الله ) قال: بنعم الله.
20572- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله.
20573- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
20574- حدثني المثنى قال ، أخبرنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: بالنعم التي أنعم بها عليهم ، أنجاهم من آل فرعون ، وفَلَق لهم البحر ، وظلَّل عليهم الغمَام ، وأنـزل عليهم المنَّ والسَّلوَى.
20575-حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا حبيب بن حسان ، عن سعيد بن جبير: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: بنعم الله. (48)
20576- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: ( وذكرهم بأيام الله ) يقول: ذكرهم بنعم الله عليهم.
20577- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: بنعم الله.
20578- حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قول الله: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: أيامُه التي انتقم فيها من أهل مَعاصيه من الأمم خَوَّفهم بها ، وحذَّرهم إياها ، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصابَ الذين من قبلهم.
20579- حدثني المثنى قال ، حدثنا الحِمَّاني قال ، حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس. عن أبيّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( وذكرهم بأيام الله ) ، قال: نعم الله . (49)
20580- حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبيد الله أو غيره ، عن مجاهد: ( وذكرهم بأيام الله ) قال: بنعم الله.
* * *
( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) ، يقول: إن في الأيام التي سلفت بنِعَمِي عليهم يعني على قوم موسى(لآيات )، يعني: لعِبرًا ومواعظ (50) (لكل صبار شكور) ، : يقول: لكل ذي صبر على طاعة الله ، وشكرٍ له على ما أنعم عليه من نِعَمه. (51)
20581- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قول الله عز وجلّ: ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) قال: نعمَ العبدُ عَبْدٌ إذا ابتلى صَبَر ، وإذا أعْطِي شَكَر.
-------------------------
الهوامش :
(39) انظر تفسير " الآية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .
(40) هذه أول مرة يستعمل رمز ( ح ) في هذه المخطوطة . وهو اصطلاح للمحدثين وغيرهم ، يراد به : تحويل الإسناد ، أي رواية الأثر بإسناد آخر قبل تمام الكلام .
(41) هذه أول مرة يستعمل رمز ( ح ) في هذه المخطوطة . وهو اصطلاح للمحدثين وغيرهم ، يراد به : تحويل الإسناد ، أي رواية الأثر بإسناد آخر قبل تمام الكلام .
(42) في المطبوعة : " أي ادعهم " ، أساء التصرف ، وأراد : أن ادعهم ، ليخرجوا من الضلالة إلى الهدى ، فحذف واختصر .
(43) من قصيدته البارعة المشهورة ، انظر شرح القصائد السبع لابن الأنباري : 388 .
(44) هذا قول أبي عبيدة بلا شك عندي ، نقله عنه بنصه ابن الأنباري في شرح السبع الطوال : 389 ، من أول الصفحة ، إلى السطر السابع ، مع اختلاف في ترتيب الأقوال . و هو بلا شك أيضًا من كتابه " مجاز القرآن " ، بيد أني لم أجده في المطبوعة 1 : 335 ، في تفسير هذه السورة ، ولا في مكان غير هذا المكان . وأكاد أقطع أن نسخة مجاز القرآن ، قد سقط منها شيء في أول تفسير " سورة إبراهيم " كما تدل عليه تعليقات ناشره الأخ الفاضل الأستاذ محمد فؤاد سزكين . فالذي نقله الطبري غير منسوب ، والذي نقله ابن الأنباري منسوبًا إلى أبي عبيدة ، ينبغي تنزيله في هذا الموضع من الكتاب . والحمد لله رب العالمين . وانظر ما سيأتي : 535 ، تعليق : 4 .
(45) ديوانه : 42 ، مطلع قصيدته النابغة ، في تمجيد عمرو بن الحارث الأعرج ، حين هرب إلى الشأم من النعمان بن المنذر ، وسيأتي البيت في التفسير بعد 14 : 15 / 23 : 106 ( بولاق ) .
(46) الأثر : 20568 - " إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد " ، شيخ الطبري ، سلفت ترجمته رقم : 2418 ، مثل هذا الإسناد . وانظر رقم : 1962 ، 13899 .
و " عبيد المكتب " ، هو " عبيد بن مهران الكوفي " ، ثقة ، أخرج له مسلم ، سلف برقم : 2417 ، وفيه ضبط " المكتب " .
(47) الأثر : 20570 - " عبثر " ، هو " عبثر بن القاسم الزبيدي " ، " أبو زبيد الكوفي " ، روى له الجماعة ، سلفت ترجمته برقم : 12336 ، 13255 ، وانظر : 12402 ، 17106 ، 19995 .
(48) الأثر : 20575 - " حبيب بن حسان " ، هو و " حبيب بن أبي الأشرس " . و " حبيب بن أبي هلال " ، منكر الحديث ، متروك ، سلف برقم : 16528 .
(49) الأثر : 20579 - " الحماني " ( بكسر الحاء وتشديد الميم ) ، هو " يحيي بن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني " ، متكلم فيه ، ووثقه يحيي بن معين . وانظر ما قاله أخي السيد أحمد رحمه الله في توثيقه فيما سلف رقم : 6892 .
و " محمد بن أبان بن صالح بن عمير الجعفي " ، متكلم في حفظه ، سلف برقم : 2720 ، 11515 ، 11516 .
و " أبو إسحق " ، هو السبيعي ، مضى مرارًا .
هذا إسناد أبي جعفر . وقد رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على مسند أبيه ( المسند 5 : 122 ) ، وإسناده :
" حدثنا عبد الله ، حدثني أَبي ، حدثنا يحيى بن عبد الله ، مولى بني هاشم ، حدثنا محمد بن أبان الجعفيّ ، عن أَبي إِسحق ، عن سعيد بن جبير ..."
و " يحيى بن عبد الله ، مولى بني هاشم " ، هو " يحيى بن عبدويه ، مولى عبيد الله ابن المهدي " ، متكلم فيه ، سئل عنه يحيى بن معين فقال : هو في الحياة ؟ فقالوا : نعم . فقال : كذاب ، رجل سوء . وروى الخطيب في تاريخ بغداد أن أحمد بن حنبل حث ولده عبد الله على السماع من يحيى بن عبدويه ، وأثنى عليه . مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 2 / 173 ، وتاريخ بغداد 14 : 165 ، وتعجيل المنفعة : 443 ، وميزان الاعتدال 3 : 296 .
وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره : 5 : 545 ، عن المسند ، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4 : 70 ، وزاد نسبته إلى النسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان .
وقد روى عبد الله بن أحمد في المسند 5 : 122 قال : "حدثنا أبو عبد الله العنبري ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا محمد بن أبان ، عن أبي إسحق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن أبي ، نحوه ولم يرفعه " .
قال ابن كثير ، وأشار على هذا الخبر : " ورواه عبد الله بن أحمد أيضًا موقوفًا ، وهو أشبه " .
قلت : ومدار هذه الأسانيد على " محمد بن أبان الجعفي " ، وقد قيل في سوء حفظه وضعفه ما قيل .
(50) انظر تفسير " الآية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .
(51) انظر تفسير " الصبر " فيما سلف 13 : 35 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
وتفسير " الشكر " فيما سلف 3 : 212 ، 213 .

تفسير وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: واذكر ، يا محمد ، إذ قال موسى بن عمْران لقومه من بني إسرائيل: ( اذكروا نعمة الله عليكم ) ، التي أنعم بها عليكم ( إذ أنجاكم من آل فرعون ) ، يقول: حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته (1) ( يسومونكم سوء العذاب ) ، أي يذيقونكم شديدَ العذاب (2) ( ويذبحون أبناءكم ) ، مع إذاقتهم إياكم شديد العذاب [ يذبحون ] أبناءكم . (3)
* * *
وأدْخلت الواو في هذا الموضع ، لأنه أريد بقوله: ( ويذبحون أبناءكم ) ، الخبرُ عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح. وأما في موضعٍ آخر من القرآن ، فإنه جاء بغير الواو: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ [سورة البقرة : 49 ] ، في موضع ، وفي موضع يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ [سورة الأعراف: 141 ]، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله: ( يذبحون ) ، وبقوله: ( يقتلون ) ، تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم . وكذلك العملُ في كل جملة أريد تفصيلُها ،فبغير الواو تفصيلها ، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو. (4)
* * *
20582- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، في قوله: ( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم ) ، أيادي الله عندكم وأيامه. (5)
* * *
وقوله: ( ويستحيون نساءكم ) ، يقول: ويُبقون نساءكم فيتركون قتلهن ، وذلك استحياؤهم كَان إياهُنَّ وقد بينا ذلك فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (6) ومعناه: يتركونهم والحياة ، (7) ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" اقْتُلُوا شُيوخَ المشركين وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ" ، (8) بمعنى: استبقُوهم فلا تقتلوهم.
* * *
( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، يقول تعالى: وفيما يصنعُ بكم آلُ فرعون من أنواع العذاب ، بلاءٌ لكم من ربكم عظيمٌ ، أي ابتلاء واختبارٌ لكم ، من ربكم عظيم. (9) وقد يكون " البلاء " ، في هذا الموضع نَعْماء ، ويكون: من البلاء الذي يصيب النَّاس من الشدائد . (10)
----------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير " الإنجاء " فيما سلف 15 : 53 ، 194 ، 195 .
(2) انظر تفسير " السوم " فيما سلف 2 : 40 / 13 ، 85 ، ثم مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 335 .
وتفسير " سوء العذاب " فيما سلف 2 : 40 / 13 : 85 .
(3) من أول قوله : " مع إذاقتهم ... " ساقط من المطبوعة . و " يذبحون " التي بين القوسين . ساقطة من المطبوعة .
(4) في المطبوعة : " فالواو " ، لم يحسن قراءة المخطوطة .
(5) الأثر : 20582 - " عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي " ، سلف برقم : 9914 ، 11622 ، وقد أطلت الكلام في نسبه ، في جمهرة أنساب قريش للزبير بن بكار 1 : 449 ، تعليق : 1 ، ويزاد عليه : الانتقاء لابن عبد البر : 104 ، وأول مسند الحميدي ، الذي طبع في الهند حديثًا .
(6) انظر تفسير " الاستحياء " فيما سلف 2 : 41 - 48 / 13 : 41 ، 85 .
(7) في المطبوعة : " يتركونهم " والحياة هي الترك " ، زاد " هي الترك " بسوء ظنه .
(8) هذا الخبر رواه أحمد في مسنده في موضعين 5 : 12 ، 20 في مسند سمرة بن جندب ، من طريق أبي معاوية ، عن الحجاج ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ثم طريق هشيم ، عن حجاج ابن أرطأة ، عن قتادة ، ومن هذه الثانية قال : " واستبقوا شرخهم " .
ورواه أبو داود في سننه 3 : 73 ، من طريق سعيد بن منصور ، عن هشيم، عن حجاج .
ورواه الترمذي في أبواب السير ، " باب ما جاء في النزول على الحكم " ، من طريق أبي الوليد الدمشقي ، عن الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة . وقال : " هذا حديث حسن غريب ، ورواه الحجاج بن أرطاة عن قتادة نحوه " . وفيه : " واستحيوا " . ثم قال : " والشرخ : الغلمان الذين لم ينبتوا " .
وقال عبد الله بن أحمد ( المسند 5 : 12 ) : " سألت أبي عن تفسير هذا الحديث : اقتلوا شيوخ المشركين ؟ قال : يقول : الشيخ لا يكاد أن يسلم ، والشاب ، أي يسلم ، كأنه أقرب إلى الإسلام من الشيخ . قال : الشرخ ، الشباب " .
(9) انظر تفسير " البلاء " فيما سلف 15 ، 250 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .
(10) في المطبوعة : " وقد يكون معناه من البلاء الذي قد يصيب الناس في الشدائد وغيرها " ، زاد في الجملة ما شاء له هواه وغير ، فأساء غفر الله له .

تفسير وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه: واذكروا أيضًا حين آذنكم رَبُّكم.
* * *
و " تأذن " ، " تفعَّل " من "آذن " . والعرب ربما وضعت " تفعَّل " موضع " أفعل " ، كما قالوا: " أوعدتُه " " وتَوعَّدته " ، بمعنى واحد . و "آذن " ، أعلم ، (11) كما قال الحارث بن حِلِّزة:
آذَنَتْنَــــا بِبَيْنِهَــــا أَسْـــمَاءُ
رُبَّ ثَــاوٍ يُمَــلُّ مِنْــهُ الثَّــوَاءُ (12)
يعني بقوله: "آذنتنا " ، أعلمتنا.
* * *
وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ : ( وإذ تأذن ربكم ) : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ ":-
20583- حدثني بذلك الحارث قال ، حدثني عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش عنه. (13)
20584- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد ، في قوله: ( وإذ تأذن ربكم ) ، وإذ قال ربكم ، ذلك " التأذن ".
* * *
وقوله: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، يقول: لئن شكرتم ربَّكم ، بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم ، لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمهِ عليكم ، على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص مِنْ عذابهم.
* * *
وقيل في ذلك قولٌ غيره ، وهو ما:-
20585- حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا الحسين بن الحسن قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، سمعت علي بن صالح ، يقول في قول الله عز وجل: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: أي من طاعتي.
20586- حدثنا المثنى قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت علي بن صالح ، فذكر نحوه.
20587- حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: من طاعتي.
20588- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ، في قوله: ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) ، قال: من طاعتي.
* * *
قال أبو جعفر : ولا وجهَ لهذا القول يُفْهَم ، لأنه لم يجرِ للطاعة في هذا الموضع ذكرٌ فيقال: إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جَرَى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم . فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام: زادهم من نعمه ، لا مما لم يجرِ له ذكر من " الطاعة " ، إلا أن يكون أريد به: لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر ، لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجهًا.
* * *
وقوله: ( ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ، يقول: ولئن كفرتم ، أيها القوم ، نعمةَ الله ، فجحدتموها بتركِ شكره عليها وخلافِه في أمره ونهيه ، وركوبكم معاصيه ( إن عَذَابي لشديد ) ، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي.
* * *
وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله: ( وإذ تأذن ربكم ) ، وتأذّن ربكم: ويقول: " إذ " من حروف الزوائد ، (14) وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل. (15)
-------------------------
الهوامش :
(11) انظر تفسير " أذن " فيما سلف 13 : 204 ، ثم تفسير " الإذن " فيما سلف من فهارس اللغة . ثم انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 345 .
(12) مطلع طويلته المشهورة ، انظر شرح القصائد السبع لابن الأنباري : 433 .
(13) الأثر : 20583 - " الحارث " ، هو " الحارث بن أبي أسامة " منسوبًا إلى جده ، وهو " الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي " ، شيخ الطبري ، ثقة ، سلف مرارًا آخرها رقم : 14333.
و " عبد العزيز " ، هو " عبد العزيز بن أبان الأموي " ، كذاب خبيث يضع الأحاديث ، مضى مرارًا كثيرة آخرها رقم 14333 .
(14) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1 : 345 .
(15) انظر ما سلف 1 : 439 - 444 ويزاد في المراجع ص : 439 ، تعليق : 1 أن قول أبي عبيدة هذا في مجاز القرآن 1 : 36 ، 37 .