مكية
( تبارك ) تفاعل ، من البركة . عن ابن عباس : معناه : جاء بكل بركة ، دليله قول الحسن : مجيء البركة من قبله . وقال الضحاك : تعظم ، ( الذي نزل الفرقان ) أي : القرآن ، ) ( على عبده ) محمد - صلى الله عليه وسلم - . ( ليكون للعالمين نذيرا ) أي : للجن والإنس . قيل : النذير هو القرآن . وقيل : محمد - صلى الله عليه وسلم - . )
( الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء ) مما يطلق عليه صفة المخلوق ، ) ( فقدره تقديرا ) فسواه وهيأه لما يصلح له ، لا خلل فيه ولا تفاوت ، وقيل : قدر لكل شيء تقديرا من الأجل والرزق ، فجرت المقادير على ما خلق .
قوله - عز وجل - : ) ( واتخذوا ) يعني عبدة الأوثان ، ) ( من دونه آلهة ) يعني : الأصنام ، ) ( لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ) أي : دفع ضر ولا جلب نفع ، ( ولا يملكون موتا ولا حياة ) أي : إماتة وإحياء ، ( ولا نشورا ) أي : بعثا بعد الموت .
وقال الذين كفروا ) يعني : المشركين ، يعني : النضر بن الحارث وأصحابه ، ) ( إن هذا ) ما هذا القرآن ، ( إلا إفك ) كذب ، ) ( افتراه ) اختلقه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ( وأعانه عليه قوم آخرون ) قال مجاهد : يعني اليهود . وقال الحسن : هو عبيد بن الخضر الحبشي الكاهن . وقيل : جبر ، ويسار ، وعداس بن عبيد ، كانوا بمكة من أهل الكتاب ، فزعم المشركون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - يأخذ منهم ، قال الله تعالى : ) فقد جاءوا ) يعني قائلي هذه المقالة ، ( ظلما وزورا ) أي : بظلم وزور . فلما حذف الباء انتصب ، يعني جاؤوا شركا وكذبا بنسبتهم كلام الله تعالى إلى الإفك والافتراء .
( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها ) يعني النضر بن الحارث كان يقول : إن هذا القرآن ليس من الله وإنما هو مما سطره الأولون مثل حديث رستم وإسفنديار " اكتتبها " : انتسخها محمد من جبر ، ويسار ، وعداس ، ومعنى " اكتتب " يعني طلب أن يكتب له ، لأنه كان لا يكتب ، ( فهي تملى عليه ) يعني تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها ، ( بكرة وأصيلا ) غدوة وعشيا .
قال الله - عز وجل - ردا عليهم : ( قل أنزله ) يعني القرآن ، ( الذي يعلم السر ) يعني الغيب ، ( في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما )
( وقالوا مال هذا الرسول ) يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، ) ( يأكل الطعام ) كما نأكل نحن ، ( ويمشي في الأسواق ) يلتمس المعاش كما نمشي ، فلا يجوز أن يمتاز عنا بالنبوة ، وكانوا يقولون له : لست أنت بملك ولا بملك ، لأنك تأكل والملك لا يأكل ، ولست بملك لأن الملك لا يتسوق ، وأنت تتسوق وتتبذل . وما قالوه فاسد; لأن أكله الطعام لكونه آدميا ، ومشيه في الأسواق لتواضعه ، وكان ذلك صفة له ، وشيء من ذلك لا ينافي النبوة . ( لولا أنزل إليه ملك ) فيصدقه ، ( فيكون معه نذيرا ) داعيا .