تفسير سورة فصلت تفسير الطبري

تفسير سورة فصلت بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 41 في المصحف الكريم وعدد آياتها 54.

تفسير آيات سورة فصلت

من
إلى
المفسرون

تفسير حم (1)

القول في تأويل قوله تعالى : حم (1)
قال أبو جعفر: قد تقدم القول منا فيما مضى قبلُ في معنى ( حم ) والقول في هذا الموضع كالقول في ذلك.

تفسير تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (2)

وقوله: ( تَنـزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) يقول تعالى ذكره: هذا القرآن تنـزيل من عند الرحمن الرحيم نـزله على نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .

تفسير كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)

( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) يقول: كتاب بينت آياته.
كما حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السدي, قوله: ( فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) قال: بينت آياته.
وقوله: ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) يقول تعالى ذكره: فُصلت آياته هكذا.
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب القرآن, فقال بعض نحويّي البصرة قوله: ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ ) الكتاب خبر لمبتدأ أخبر أن التنـزيل كتاب, ثم قال: ( فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) شغل الفعل بالآيات حتى صارت بمنـزلة الفاعل, فنصب القرآن.

تفسير بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)

وقال: ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) على أنه صفة, وإن شئت جعلت نصبه على المدح كأنه حين ذكره أقبل في مدحته, فقال: ذكرنا قرآنا عربيا بشيرا ونذيرا, وذكرناه قرآنا عربيا, وكان فيما مضى من ذكره دليل على ما أضمر. وقال بعض نحويّي الكوفة: نصب قرآنا على الفعل: أي فصلت آياته كذلك. قال: وقد يكون النصب فيه على القطع, لأن الكلام تامّ عند قوله "آيَاتُهُ". قال: ولو كان رفعا على أنه من نعت الكتاب كان صوابا, كما قال في موضع آخر: كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ وقال: وكذلك قوله: ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) فيه ما في ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ).
وقوله: ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) يقول: فصلت آيات هذا الكتاب قرآنا عربيا لقوم يعلمون اللسان العربي.
بشيرا لهم يبشرهم إن هم آمنوا به, وعملوا بما أنـزل فيه من حدود الله وفرائضه بالجنة,( وَنَذِيرًا ) يقول ومنذرا من كذب به ولم يعمل بما فيه بأمر الله في عاجل الدنيا, وخلود الأبد في نار جهنم في آجل الآخرة.
وقوله: ( فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ ) يقول تعالى ذكره: فاستكبر عن الإصغاء له وتدبر ما فيه من حجج الله, وأعرض عنه أكثر هؤلاء القوم الذين أنـزل هذا القرآن بشيرا لهم ونذيرا, وهم قوم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. يقول: فهم لا يصغون له فيسمعوه إعراضا عنه واستكبارا.

تفسير وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون المعرضون عن آيات الله من مشركي قريش إذ دعاهم محمد نبيّ الله إلى الإقرار بتوحيد الله وتصديق ما في هذا القرآن من أمر الله ونهيه, وسائر ما أنـزل فيه ( قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ ) يقول: في أغطية ( مِمَّا تَدْعُونَا ) يا محمد ( إِلَيْهِ ) من توحيد الله, وتصديقك فيما جئتنا به, لا نفقه ما تقول ( وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ ) وهو الثقل, لا نسمع ما تدعونا إليه استثقالا لما يدعو إليه وكراهة له. وقد مضى البيان قبل عن معاني هذه الأحرف بشواهده, وذكر ما قال أهل التأويل فيه, فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع.
وقد: حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: ( قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ ) قال: عليها أغطية كالجَعْبة للنَّبْل.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قوله: ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ ) قال: عليها أغطية ( وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ ) قال: صمم.
وقوله: ( وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ) يقولون: ومن بيننا وبينك يا محمد ساتر لا نجتمع من أجله نحن وأنت, فيرى بعضنا بعضا, وذلك الحجاب هو اختلافهم في الدين, لأن دينهم كان عبادة الأوثان, ودين محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عبادة الله وحده لا شريك له, فذلك هو الحجاب الذي زعموا أنه بينهم وبين نبيّ الله, وذلك هو خلاف بعضهم بعضا في الدين.
وأدخلت " من " في قوله ( وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ) والمعنى: وبيننا وبينكَ حِجابٌ, توكيدا للكلام.

تفسير قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المعرضين عن آيات الله من قومك: أيها القوم, ما أنا إلا بشر من بني آدم مثلكم في الجنس والصورة والهيئة لست بمَلك ( يُوحَى إِلَيَّ ) يوحي الله إلى أن لا معبود لكم تصلح عبادته إلا معبود واحد.( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ )يقول: فاستقيموا إليه بالطاعة, ووجهوا إليه وجوهكم بالرغبة والعبادة دون الآلهة والأوثان.
يقول: وسلوه العفو لكم عن ذنوبكم التي سلفت منكم بالتوبة من شرككم, يتب عليكم ويغفر لكم.

تفسير الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)

وقوله: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) يقول تعالى ذكره: وصديد أهل النار, وما يسيل منهم للمدعين لله شريكا العابدين الأوثان دونه الذين لا يؤتون الزكاة.
اختلف أهل التأويل في ذلك, فقال بعضهم: معناه: الذين لا يعطون الله الطاعة التي تطهرهم, وتزكي أبدانهم, ولا يوحدونه; وذلك قول يذكر عن ابن عباس.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) قال: هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله.
حدثني سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال: ثنا حفص, قال: ثنا الحكم بن أبان, عن عكرمة, قوله: ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ): الذين لا يقولون لا إله إلا الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذين لا يقرّون بزكاة أموالهم التي فرضها الله فيها, ولا يعطونها أهلها. وقد ذكرنا أيضا قائلي ذلك قبلُ.
وقد حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) قال: لا يقرّون بها ولا يؤمنون بها. وكان يقال: إن الزكاة قنطرة الإسلام, فمن قطعها نجا, ومن تخلف عنها هلك; وقد كان أهل الردّة بعد نبيّ الله قالوا: أما الصلاة فنصلِّي, وأما الزكاة فوالله لا تغصب أموالنا; قال: فقال أبو بكر: والله لا أفرق بين شيء جمع الله بينه; والله لو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) قال: لو زَكَّوا وهم مشركون لم ينفعهم.
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا: معناه: لا يؤدّون زكاة أموالهم; وذلك أن ذلك هو الأشهر من معنى الزكاة, وأن في قوله: ( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) دليلا على أن ذلك كذلك, لأن الكفار الذين عنوا بهذه الآية كانوا لا يشهدون أن لا إله إلا الله, فلو كان قوله: ( الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) مرادا به الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله لم يكن لقوله: ( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) معنى, لأنه معلوم أن من لا يشهد أن لا إله إلا الله لا يؤمن بالآخرة, وفي اتباع الله قوله: ( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) قوله ( الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ما ينبئ عن أن الزكاة في هذا الموضع معنيّ بها زكاة الأموال.
وقوله: ( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) يقول: وهم بقيام الساعة, وبعث الله خلقه أحياء من قبورهم, من بعد بلائهم وفنائهم منكرون.