تفسير سورة الإنسان تفسير ابن كثير

تفسير سورة الإنسان بواسطة تفسير ابن كثير هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مدنية وجاء ترتيبها 76 في المصحف الكريم وعدد آياتها 31.

تفسير آيات سورة الإنسان

من
إلى
المفسرون

تفسير هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)

تفسير سورة الإنسان وهي مكية .
قد تقدم في صحيح مسلم ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة " الم تنزيل " السجدة ، و " هل أتى على الإنسان "
وقال عبد الله بن وهب : أخبرنا ابن زيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة : " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود ، فلما بلغ صفة الجنان ، زفر زفرة فخرجت نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخرج نفس صاحبكم - أو قال : أخيكم - الشوق إلى الجنة " . مرسل غريب .
يقول تعالى مخبرا عن الإنسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئا يذكر لحقارته وضعفه ، فقال : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) ؟

تفسير إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)

ثم بين ذلك فقال : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) أي : أخلاط . والمشج والمشيج : الشيء الخليط ، بعضه في بعض .
قال ابن عباس في قوله : ( من نطفة أمشاج ) يعني : ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا ، ثم ينتقل بعد من طور إلى طور ، وحال إلى حال ، ولون إلى لون . وهكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، والربيع بن أنس : الأمشاج : هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة .
وقوله : ( نبتليه ) أي : نختبره ، كقوله : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) [ الملك : 2 ] . ( فجعلناه سميعا بصيرا ) أي : جعلنا له سمعا وبصرا يتمكن بهما من الطاعة والمعصية .

تفسير إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)

وقوله : ( إنا هديناه السبيل ) أي : بيناه له ووضحناه وبصرناه به ، كقوله : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) [ فصلت : 17 ] ، وكقوله : ( وهديناه النجدين ) [ البلد : 10 ] ، أي : بينا له طريق الخير وطريق الشر . وهذا قول عكرمة وعطية وابن زيد ومجاهد - في المشهور عنه - والجمهور .
وروي عن مجاهد وأبي صالح والضحاك والسدي أنهم قالوا في قوله : ( إنا هديناه السبيل ) يعني خروجه من الرحم . وهذا قول غريب ، والصحيح المشهور الأول .
وقوله : ( إما شاكرا وإما كفورا ) منصوب على الحال من " الهاء " في قوله : ( إنا هديناه السبيل ) تقديره : فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فموبقها أو معتقها " . وتقدم في سورة " الروم " عند قوله : ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ) [ الروم : 30 ] من رواية جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه ، فإذا أعرب عنه لسانه ، فإما شاكرا وإما كفورا " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عثمان بن محمد ، عن المقبري ، عن أبي هريرة‌ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من خارج يخرج إلا ببابه رايتان : راية بيد ملك ، وراية بيد شيطان ، فإن خرج لما يحب الله اتبعه الملك برايته ، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته . وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته ، فلم يزل تحت راية الشيطان ، حتى يرجع إلى بيته " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن ابن خثيم ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة : " أعاذك الله من إمارة السفهاء " . قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : " أمراء يكونون من بعدي ، لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ولست منهم ، ولا يردون على حوضي . ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم ، فأولئك مني وأنا منهم ، وسيردون على حوضي . يا كعب بن عجرة ، الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، والصلاة قربان - أو قال : برهان - يا كعب بن عجرة ، إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت ، النار أولى به . يا كعب ، الناس غاديان ، فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها " .
ورواه عن عفان ، عن وهيب ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، به .

تفسير إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)

يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلاسل والأغلال والسعير ، وهو اللهب والحريق في نار جهنم ، كما قال : ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) [ غافر : 71 ، 72 ] .

تفسير إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)

ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة ، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة .
قال الحسن : برد الكافور في طيب الزنجبيل ; ولهذا قال :

تفسير عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)

( عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) أي : هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويروون بها ; ولهذا ضمن يشرب " يروى " حتى عداه بالباء ، ونصب ) عينا ) على التمييز .
قال بعضهم : هذا الشراب في طيبه كالكافور . وقال بعضهم : هو من عين كافور . وقال بعضهم : يجوز أن يكون منصوبا ب ) يشرب ) حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير .
وقوله : ( يفجرونها تفجيرا ) أي : يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا ، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم .
والتفجير هو الإنباع ، كما قال تعالى : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) [ الإسراء : 90 ] . وقال : ( وفجرنا خلالهما نهرا ) [ الكهف : 33 ] .
وقال مجاهد : ( يفجرونها تفجيرا ) يقودونها حيث شاؤوا ، وكذا قال عكرمة وقتادة . وقال الثوري : يصرفونها حيث شاؤوا .

تفسير يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)

وقوله : ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) أي : يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من [ فعل ] الطاعات الواجبة بأصل الشرع ، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر .
قال الإمام مالك ، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي ، عن القاسم بن مالك ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " ، رواه البخاري من حديث مالك .
ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد ، وهو اليوم الذي شره مستطير ، أي : منتشر عام على الناس إلا من رحم الله .
قال ابن عباس : فاشيا . وقال قتادة : استطار - والله - شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض .
قال ابن جرير : ومنه قولهم : استطار الصدع في الزجاجة واستطال . ومنه قول الأعشى :
فبانت وقد أسأرت في الفؤا د صدعا على نأيها مستطيرا
يعني : ممتدا فاشيا .