تفسير سورة الضحى تفسير البغوي

تفسير سورة الضحى بواسطة تفسير البغوي هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 93 في المصحف الكريم وعدد آياتها 11.

تفسير آيات سورة الضحى

من
إلى
المفسرون

تفسير وَالضُّحَىٰ (1)

مكية
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا الأسود بن قيس قال : سمعت جندب بن سفيان قال : اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت : يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث ، فأنزل الله - عز وجل - : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) .
وقيل : إن المرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب .
وقال المفسرون سألت اليهود ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح ؟ فقال : سأخبركم غدا ، ولم يقل : إن شاء الله ، فاحتبس عنه الوحي .
وقال زيد بن أسلم : كان سبب احتباس جبريل - عليه السلام - عنه كون جرو في بيته ، فلما نزل عاتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إبطائه ، فقال : إنا لا ندخل بيتا فيه كلب [ أو ] صورة .
واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه ، فقال ابن جريج : اثنا عشر يوما . وقال ابن عباس : خمسة عشر يوما . وقال مقاتل : أربعون يوما .
قالوا : فقال المشركون : إن محمدا ودعه ربه وقلاه ، فأنزل الله تعالى هذه السورة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك " ، فقال جبريل : " إني كنت أشد شوقا [ إليك ] ، ولكني عبد مأمور " ، فأنزل : وما نتنزل إلا بأمر ربك ( مريم - 64 ) .
قوله - عز وجل - : ( والضحى ) أقسم بالضحى وأراد به النهار كله ، بدليل أنه قابله بالليل [ فقال والليل ] إذا سجى ، نظيره : قوله : " أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى " ( الأعراف - 98 ) أي نهارا .
وقال قتادة ومقاتل : يعني وقت الضحى ، وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس ، واعتدال النهار في الحر والبرد والصيف والشتاء

تفسير وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2)

( والليل إذا سجى ) قال الحسن : أقبل بظلامه ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، وقال الوالبي عنه : إذا ذهب ، قال عطاء والضحاك : غطى كل شيء بالظلمة . وقال مجاهد : استوى . وقال قتادة وابن زيد : سكن واستقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك . يقال : ليل ساج وبحر ساج [ إذا كان ساكنا ] .

تفسير مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ (3)

قوله تعالى: "ما ودعك ربك وما قلى"، هذا جواب القسم، أي ما تركك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك.

تفسير وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ (4)

"وللآخرة خير لك من الأولى" حدثنا المطهر بن علي الفارسي ، أخبرنا محمد بن إبراهيم [ الصالحاني ] ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الشيخ الحافظ ، أخبرنا ابن أبي عاصم ، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أخبرنا معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا " .

تفسير وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5)

( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال عطاء عن ابن عباس : هو الشفاعة في أمته حتى يرضى ، وهو قول علي والحسن .
وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ، ولا نسوءك فيهم " .
وقال حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : إنكم يا معشر أهل العراق تقولون : أرجى آية في القرآن : " قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " ، وإنا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله " ولسوف يعطيك ربك فترضى " من الثواب . وقيل : من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين ، ( فترضى )

تفسير أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ (6)

ثم أخبره الله - عز وجل - عن حالته التي كان عليها قبل الوحي ، وذكره نعمه فقال جل ذكره : ( ألم يجدك يتيما فآوى ) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي فقال : أنبأني عبد الله بن حامد الأصفهاني ، أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري ، حدثنا محمد بن عيسى أنا أبو عمرو الجويني وأبو الربيع الزهراني قالا حدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته ، قلت : يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكا عظيما ، وآتيت فلانا كذا وآتيت فلانا كذا ؟ قال : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قلت : بلى ، أي رب [ قال : ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى أي رب ، قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قلت : بلى أي رب " ، وزاد غيره عن حماد قال : ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك ؟ قلت : بلى أي رب ] .
ومعنى الآية : ألم يجدك يتيما صغيرا فقيرا حين مات أبواك ولم يخلفا لك مالا ولا مأوى ، فجعلت لك مأوى تأوي إليه ، وضممتك إلى عمك أبي طالب حتى أحسن تربيتك وكفاك المؤنة .

تفسير وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ (7)

( ووجدك ضالا ) يعني ضالا عما أنت عليه ( فهدى ) أي : فهداك للتوحيد والنبوة .
قال الحسن والضحاك وابن كيسان : " ووجدك ضالا " عن معالم النبوة وأحكام الشريعة غافلا عنها ، فهداك إليها ، [ كما قال ] " وإن كنت من قبله لمن الغافلين " ( يوسف - 3 ) وقال : " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان " ( الشورى - 52 ) .
وقيل : ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب وروى أبو الضحى عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير ، فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه فرده إلى عبد المطلب .
وقال سعيد بن المسيب : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة إذ جاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق ، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الحبشة ، ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك . وقيل : وجدك ضالا [ ضال ] نفسك لا تدري من أنت ، فعرفك نفسك وحالك .