تفسير سورة الروم الآية 26 تفسير الطبري

تفسير سورة الروم الآية 26 بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 30 في المصحف الكريم وعدد آياتها 60.

تفسير آيات سورة الروم

من
إلى
المفسرون

تفسير وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
يقول تعالى ذكره: من في السموات والأرض من ملك وجنّ وإنس عبيد وملك (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) يقول: كلّ له مطيعون، فيقول قائل: وكيف قيل (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) وقد علم أن أكثر الإنس والجنّ له عاصون؟ فنقول: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فنذكر اختلافهم، ثم نبين الصواب عندنا في ذلك من القول، فقال بعضهم: ذلك كلام مخرجه مخرج العموم، والمراد به الخصوص، ومعناه: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) في الحياة والبقاء والموت، والفناء والبعث والنشور، لا يمتنع عليه شيء من ذلك، وإن عصاه بعضهم في غير ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ... إلى (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) يقول: مطيعون، يعني الحياة والنشور والموت، وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) بإقرارهم بأنه ربهم وخالقهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) : أي مطيع مقرٌّ بأن الله ربه وخالقه.
وقال آخرون: هو على الخصوص، والمعنى: (وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) من ملك وعبد مؤمن لله مطيع دون غيرهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس. قال: أخبرنا ابن وهب. قال: قال ابن زيد في قوله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) قال: كلّ له مطيعون، المطيع: القانت. قال: وليس شيء إلا وهو مطيع، إلا ابن آدم، وكان أحقهم أن يكون أطوعهم لله. وفي قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ .
قال: هذا في الصلاة. لا تتكلموا في الصلاة، كما يتكلم أهل الكتاب في الصلاة. قال: وأهل الكتاب يمشي بعضهم إلى بعض في الصلاة. قال: ويتقابلون في الصلاة، فإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: لكي تذهب الشحناء من قلوبنا، تسلم قلوب بعضنا لبعض، فقال الله: وقوموا لله قانتين لا تزولوا كما يزولون. قانتين: لا تتكلموا كما يتكلمون. قال: فأما ما سوى هذا كله في القرآن من القنوت فهو الطاعة، إلا هذه الواحدة.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، وهو أن كلّ من في السماوات والأرض من خلق لله مطيع في تصرّفه فيما أراد تعالى ذكره، من حياة وموت، وما أشبه ذلك، وإن عصاه فيما يكسبه بقوله، وفيما له السبيل إلى اختياره وإيثاره على خلافه.
وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك؛ لأن العصاة من خلقه فيما لهم السبيل إلى اكتسابه كثير عددهم، وقد أخبر تعالى ذكره عن جميعهم أنهم له قانتون، فغير جائز أن يخبر عمن هو عاص أنه له قانت فيما هو له عاص. وإذا كان ذلك كذلك، فالذي فيه عاص هو ما وصفت، والذي هو له قانت ما بينت.