تفسير سورة فاطر تفسير الطبري

تفسير سورة فاطر بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 35 في المصحف الكريم وعدد آياتها 45.

تفسير آيات سورة فاطر

من
إلى
المفسرون

تفسير الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)

القول في تأويل قوله تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
يقول تعالى ذكره: الشكر الكامل للمعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا ينبغي أن تكون لغيره خالق السماوات السبع والأرض، (جَاعِلِ الْمَلائِكَةَ رُسُلا) إلى من يشاء من عباده، وفيما شاء من أمره ونهيه (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) يقول: أصحاب أجنحة يعني ملائكة، فمنهم من له اثنان من الأجنحة، ومنهم من له ثلاثة أجنحة، ومنهم من له أربعة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) قال: بعضهم له جناحان وبعضهم ثلاثة وبعضهم أربعة.
واختلف أهل العربية في علة ترك إجراء مثنى وثلاث ورباع، وهي ترجمة عن أجنحة وأجنحة نكرة؛ فقال بعض نحويي البصرة: تُرك إجراؤهن لأنهن مصروفات عن وجوههن، وذلك أن مثنى مصروف عن اثنين وثلاث عن ثلاثة ورباع عن أربعة، فصرف نظير عُمَرَ وَزُفَرَ، إذ صرف هذا عن عامر إلى عمر وهذا عن زافر إلى زفر، وأنشد بعضهم في ذلك:
وَلَقَــدْ قَتَلْتُكُــمْ ثُنَــاءَ وَمَوْحَــدَا
وَتَــركتُ مـرَّةَ مِثْـلَ أمسِ المُدبِـرِ (5)
وقال آخر منهم: لم يصرف ذلك لأنه يوهم به الثلاثة والأربعة، قال: وهذا لا يستعمل إلا في حال العدد.
وقال بعض نحويي الكوفة: هن مصروفات عن المعارف، لأن الألف واللام لا تدخلها، والإضافة لا تدخلها، قال: ولو دخلتها الإضافة والألف واللام لكانت نكرة، وهي ترجمة عن النكرة، قال: وكذلك ما كان في القرآن مثل أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى وكذلك وحاد وأحاد، وما أشبهه من مصروف العدد.
وقوله (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) وذلك زيادته تبارك وتعالى في خلق هذا الملك من الأجنحة على الآخر ما يشاء، ونقصانه عن الآخر ما أحب، وكذلك ذلك في جميع خلقه يزيد ما يشاء في خلق ما شاء منه، وينقص ما شاء من خلق ما شاء، له الخلق والأمر وله القدرة والسلطان (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يقول: إن الله تعالى ذكره قدير على زيادة ما شاء من ذلك فيما شاء، ونقصان ما شاء منه ممن شاء، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يمتنع عليه فعل شيء أراده سبحانه وتعالى.
------------------------
الهوامش:
(5) البيت لصخر بن عمرو بن الشريد السلمي. وقد تقدم الاستشهاد به، مع شواهد أخرى في (4 : 337) من هذا التفسير فراجعه ثمة. وأنشده أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 201) قال: مثنى وثلاث ورباع: مجازه: اثنين، وثلاثة، وأربعة. فزعم النحويون أنه لما صرف عن وجهه لم ينون فيهن. قال صخر بن عمرو: "ولقد قتلتكم ..... البيت" . ا . هـ.

تفسير مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)

القول في تأويل قوله تعالى : مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
يقول تعالى ذكره: مفاتيح الخير ومغالقه كلها بيده؛ فما يفتح الله للناس من خير فلا مُغلق له، ولا ممسك عنهم، لأن ذلك أمره لا يستطيع أمره أحد، وكذلك ما يغلق من خير عنهم فلا يبسطه عليهم ولا يفتحه لهم، فلا فاتح له سواه؛ لأن الأمور كلها إليه وله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ ) أي: من خير (فَلا مُمْسِكَ لَهَا) فلا يستطيع أحد حبسها(وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) وقال تعالى ذكره (فَلا مُمْسِكَ لَهَا) فأنث ما لذكر الرحمة من بعده وقال (وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) فذكر للفظ " ما " لأن لفظه لفظ مذكر، ولو أنث في موضع التذكير للمعنى وذكر في موضع التأنيث للفظ، جاز، ولكن الأفصح من الكلام التأنيث إذا ظهر بعد ما يدل على تأنيثها والتذكير إذا لم يظهر ذلك.
وقوله (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يقول: وهو العزيز في نِقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته، الحكيم في تدبير خلقه وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحًا، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة.

تفسير يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (3)

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
يقول تعالى ذكره للمشركين به من قوم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من قريش: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ) التي أنعمها(عَلَيْكُمْ) بفتحه لكم من خيراته ما فتح وبسطه لكم من العيش ما بسط وفكروا فانظروا هل من خالق سوى فاطر السماوات والأرض الذي بيده مفاتيح أرزاقكم ومغالقها(يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) فتعبدوه دونه (لا إله إلا هو ) يقول: لا معبود تنبغي له العبادة إلا الذي فطر السماوات والأرض القادر على كل شيء، الذي بيده مفاتح الأشياء وخزائنها، ومغالق ذلك كله، فلا تعبدوا أيها الناس شيئًا سواه، فإنه لا يقدر على نفعكم وضركم سواه، فله فأخلصوا العبادة وإياه فأفردوا بالألوهة (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) يقول: فأي وجه عن خالقكم ورازقكم الذي بيده نفعكم وضركم تصرفون.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) يقول الرجل: إنه ليوفك عني كذا وكذا. وقد بينت معنى الإفك، وتأويل قوله (تُؤْفَكُونَ) فيما مضى بشواهده المغنية عن تكريره.

تفسير وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (4)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله من قومك فلا يحزننك ذاك، ولا يعظم عليك، فإن ذلك سنة أمثالهم من كفرة الأمم بالله، من قبلهم وتكذيبهم رسل الله التي أرسلها إليهم من قبلك، ولن يعدو مشركو قومك أن يكونوا مثلهم، فيتبعوا في تكذيبك منهاجهم ويسلكوا سبيلهم (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجعُ الأمُورُ) يقول تعالى ذكره: وإلى الله مرجع أمرك وأمرهم، فمُحِل بهم العقوبة، إن هم لم ينيبوا إلى طاعتنا في اتباعك والإقرار بنبوتك، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة، نظير ما أحللنا بنظرائهم من الأمم المكذبة رسلها قبلك، ومنجيك وأتباعك من ذلك، سنتنا بمن قبلك في رسلنا وأوليائنا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ) يعزي نبيه كما تسمعون.

تفسير يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)

وقوله ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) يقول تعالى ذكره لمشركي قريش المكذبي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها الناس إن وعد الله إياكم بأسه على إصراركم على الكفر به، وتكذيب رسوله محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وتحذيركم نـزول سطوته بكم على ذلك، حق، فأيقنوا بذلك وبادروا حلول عقوبتكم بالتوبة والإنابة إلى طاعة الله والإيمان به وبرسوله ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) يقول: فلا يغرنكم ما أنتم فيه من العيش في هذه الدنيا ورياستكم التي تترأسون بها في ضعفائكم فيها عن اتباع محمد والإيمان ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) يقول: ولا يخدعنكم بالله الشيطان، فيمنيكم الأماني، ويعدكم من الله العدات الكاذبة، ويحملكم على الإصرار على كفركم بالله.
كما حدثني علي قال: ثنا أَبو صالح قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) يقول: الشيطان.

تفسير إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)
يقول تعالى ذكره: (إِنَّ الشَّيْطَانَ) الذي نهيتكم أيها الناس أن تغتروا بغروره إياكم بالله ( لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) يقول: فأنـزلوه من أنفسكم منـزلة العدو منكم واحذروه بطاعة الله واستغشاشكم إياه حذركم من عدوكم الذي تخافون غائلته على أنفسكم، فلا تطيعوه ولا تتبعوا خطواته، فإنه إنما يدعو حزبه، ينعي شيعته ومن أطاعه، إلى طاعته والقبول منه، والكفر بالله ( لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) يقول: ليكونوا من المخلدين في نار جهنم التي تتوقد على أهلها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) فإنه لحق على كل مسلم عداوته، وعداوته أن يعاديه بطاعة الله (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ) وحزبه: أولياؤه ( لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) أي: ليسوقهم إلى النار فهذه عداوته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) وقال: هؤلاء حزبه من الإنس، يقول: أولئك حزب الشيطان، والحزب: ولاته الذين يتولاهم ويتولونه وقرأ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَـزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ .

تفسير الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
يقول تعالى ذكره: (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسوله (لَهُمْ عَذَابٌ) من الله (شَدِيدٌ) وذلك عذاب النار. وقوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يقول: والذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله وانتهوا عما نهاهم عنه (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من الله لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وذلك الجنة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وهي الجنة.