تفسير سورة النساء الآية 79 تفسير الطبري

تفسير سورة النساء الآية 79 بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مدنية وجاء ترتيبها 4 في المصحف الكريم وعدد آياتها 176.

تفسير آيات سورة النساء

من
إلى
المفسرون

تفسير مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)

القول في تأويل قوله : مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، ما يصيبك، يا محمد، من رخاء ونعمة وعافية وسلامة، فمن فضل الله عليك، يتفضل به عليك إحسانًا منه إليك = وأما قوله: " وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، يعني: وما أصابك من شدة ومشقة وأذى ومكروه =" فمن نفسك "، يعني: بذنب استوجبتها به، اكتسبته نفسك، (39) كما:-
9968 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، أما " من نفسك "، فيقول: من ذنبك.
9969 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، عقوبة، يا ابن آدم بذنبك. قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا يصيب رجلا خَدْش عود، ولا عَثرة قدم، ولا اختلاج عِرْق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر.
9970 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، يقول: " الحسنة "، ما فتح الله عليه يوم بدر، وما أصابه من الغنيمة والفتح = و " السيئة "، ما أصابه يوم أُحُد، أنْ شُجَّ في وجهه وكسرت رَبَاعيته.
9971 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، يقول: بذنبك = ثم قال: كل من عند الله، النعم والمصيبات.
9972 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد، وابن أبي جعفر قالا حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، قال: هذه في الحسنات والسيئات. (40)
9973 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية مثله.
9974 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، قال: عقوبةً بذنبك.
9975 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، بذنبك، كما قال لأهل أُحد: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [سورة آل عمران: 165]، بذنوبكم.
9976 - حدثني يونس قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: " وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، قال: بذنبك، وأنا قدّرتها عليك.
9977 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك "، وأنا الذي قدّرتها عليك.
9978 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا محمد بن بشر قال، حدثنيه إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح بمثله.
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وما وجه دخول " مِن " في قوله: " ما أصابك من حسنة " و " من سيئة "؟
* * *
قيل: اختلف في ذلك أهل العربية.
فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت " من " لأن " من " تحسن مع النفي، مثل: " ما جاءني من أحد ". (41) قال: ودخول الخبر بالفاء، لأن " ما " بمنـزلة " مَن ". (42)
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: أدخلت " مِن " مع " ما "، كما تدخل على " إن " في الجزاء، لأنهما حرفا جزاء. وكذلك، تدخل مع " مَن "، إذا كانت جزاء، فتقول العرب: " مَن يزرك مِن أحد فتكرمه "، كما تقول: " إن يَزُرك من أحد فتكرمه ". قال: وأدخلوها مع " ما " و " مَنْ"، ليعلم بدخولها معهما أنهما جزاء. قالوا: وإذا دخلت معهما لم تحذف، لأنها إذا حذفت صار الفعل رافعًا شيئين، وذلك أن " ما " في قوله: " ما أصابك من سيئة " رفع بقوله: " أصابك "، (43) فلو حذفت " مِن "، رفع قوله: " أصابك "" السيئةَ"، لأن معناه: إن تصبك سيئة = فلم يجز حذف " مِن " لذلك، لأن الفعل الذي هو على " فعل " أو " يفعل "، لا يرفع شيئين. (44) وجاز ذلك مع " مَن "، لأنها تشتبه بالصفات، (45) وهي في موضع اسم. فأما " إن " فإن " مِن " تدخل معها وتخرج، ولا تخرج مع " أيٍّ"، لأنها تعرب فيبين فيها الإعراب، ودخلت مع " ما "، لأن الإعراب لا يظهر فيها.
* * *
القول في تأويل قوله : وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " وأرسلناك للناس رسولا "، إنما جعلناك، يا محمد، رسولا بيننا وبين الخلق، تبلّغهم ما أرسلناك به من رسالة، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرسالة إلى من أرسلت، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم، وإن ردُّوا فعليها =" وكفى بالله " عليك وعليهم =" شهيدًا "، يقول: حسبك الله تعالى ذكره، شاهدًا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه، (46) وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم، فإنه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدَك، ومجازيهم ما عملوا من خير وشر، جزاء المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
* * *
---------------
الهوامش :
(39) انظر تفسير"الحسنة" فيما سلف: 555 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
وانظر تفسير"السيئة" فيما سلف: 555 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.
(40) انظر التعليق على الأثرين السالفين: 9961 ، 9962.
(41) انظر ما سلف 2: 126 ، 127 ، 442 ، 470 / 5: 586 / 6: 551.
(42) في المطبوعة والمخطوطة: "ودخول الخبر بالفاء لازما بمنزلة من" ، وهو كلام لا معنى له البتة ، صواب قراءته ما أثبت ، ويعني بدخول الفاء في الخبر قوله: "فمن الله" و"فمن نفسك".
(43) في المطبوعة والمخطوطة: "ما أصابك من حسنة" ، والسياق يقتضي ذكر الأخرى كما أثبتها.
(44) "فعل" أو "يفعل" ، يعني الماضي والمضارع.
(45) "الصفات" ، حروف الجر ، كما سلف مرارًا ، فراجعه في فهارس المصطلحات.
(46) انظر تفسير"الشهيد" فيما سلف من فهارس اللغة.