تفسير سورة الزخرف الآية 32 تفسير الطبري

تفسير سورة الزخرف الآية 32 بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 43 في المصحف الكريم وعدد آياتها 89.

تفسير آيات سورة الزخرف

من
إلى
المفسرون

تفسير أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)

وقوله: ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) يقول تعالى ذكره: أهؤلاء القائلون: لولا نـزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يا محمد, يقسمون رحمة ربك بين خلقه, فيجعلون كرامته لمن شاءوا, وفضله لمن أرادوا, أم الله الذي يقسم ذلك, فيعطيه من أحبّ, ويحرمه مَنْ شاء؟.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب, قال: ثنا عثمان بن سعيد, قال: ثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس, قال: لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك, ومن أنكر منهم, فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد, قال: فأنـزل الله عزّ وجلّ: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وقال وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني: أهل الكتب الماضية, أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم, وإن كانوا بشرا فلا تنكرون أن يكون محمد رسولا قال: ثم قال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم; قال: فلما كرر الله عليهم الحجج قالوا, وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة فـ( لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) يقولون: أشرف من محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي, وكان يسمى ريحانة قريش, هذا من مكة, ومسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي من أهل الطائف, قال: يقول الله عزّ وجلّ ردّا عليهم ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ) أنا أفعل ما شئت.
وقوله: ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول تعالى ذكره: بل نحن نقسم رحمتنا وكرامتنا بين من شئنا من خلقنا, فنجعل من شئنا رسولا ومن أردنا صديقا, ونتخذ من أردنا خليلا كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون بها في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات, فجعلنا بعضهم فيها أرفع من بعض درجة, بل جعلنا هذا غنيا, وهذا فقيرا, وهذا ملكًا, وهذا مملوكًا( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الله تبارك وتعالى ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فتلقاه ضعيف الحيلة, عي اللسان, وهو مبسوط له في الرزق, وتلقاه شديد الحيلة, سليط اللسان, وهو مقتور عليه, قال الله جلّ ثناؤه: ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى.
وقوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) يقول: ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه, وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل, يقول: جعل تعالى ذكره بعضا لبعض سببا فى المعاش, في الدنيا.
وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) فقال بعضهم: معناه ما قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) قال: يستخدم بعضهم بعضا في السخرة.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) قال: هم بنو آدم جميعا, قال: وهذا عبد هذا, ورفع هذا على هذا درجة, فهو يسخره بالعمل, يستعمله به, كما يقال: سخر فلان فلانا.
وقال بعضهم: بل عنى بذلك: ليملك بعضهم بعضا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يحيى بن واضح, قال: ثنا عبيد بن سليمان, عن الضحاك, في قوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) يعني بذلك: العبيد والخدم سخر لهم.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) مِلْكة.
وقوله: ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يقول تعالى ذكره: ورحمة ربك يا محمد بإدخالهم الجنة خير لهم مما يجمعون من الأموال في الدنيا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يعني الجنة.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ ) يقول: الجنة خير مما يجمعون في الدنيا.