تفسير سورة الجاثية تفسير الطبري

تفسير سورة الجاثية بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 45 في المصحف الكريم وعدد آياتها 37.

تفسير آيات سورة الجاثية

من
إلى
المفسرون

تفسير حم (1)

القول في تأويل قوله تعالى : حم (1)
قد تقدم بياننا في معنى قوله (حم) .

تفسير تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)

وأما قوله: ( تَنـزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ ) فإن معناه: هذا تنـزيل القرآن من عند الله (العَزِيزِ) في انتقامه من أعدائه (الحَكِيمِ) في تدبيره أمر خلقه.

تفسير إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)

وقوله: ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يقول تعالى ذكره: إن في السموات السبع اللاتي منهنّ نـزول الغيث, والأرض التي منها خروج الخلق أيها الناس ( لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ) يقول: لأدلة وحججا للمصدّقين بالحجج إذا تبيَّنوها ورأوها.

تفسير وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)

القول في تأويل قوله تعالى : وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)
يقول تعالى ذكره: وفى خلق الله إياكم أيها الناس, وخلقه ما تفرّق في الأرض من دابة تدّب عليها من غير جنسكم ( آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) يعني: حججا وأدلة لقوم يوقنون بحقائق الأشياء, فيقرّون بها, ويعلمون صحتها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) وفي التي بعد ذلك فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (آياتٌ) رفعا على الابتداء, وترك ردّها على قوله لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ , وقرأته عامة قرّاء الكوفة (آياتٍ) خفضا بتأويل النصب ردّا على قوله لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ .
وزعم قارئو ذلك كذلك من المتأخرين أنهم اختاروا قراءته كذلك, لأنه في قراءة أُبيّ في الآيات الثلاثة (لآياتٍ) باللام فجعلوا دخول اللام في ذلك في قراءته دليلا لهم على صحة قراءة جميعه بالخفض, وليس الذي اعتمدوا عليه من الحجة في ذلك بحجة, لأنه لا رواية بذلك عن أبيّ صحيحة, وأبيّ لو صحت به عنه رواية, ثم لم يُعلم كيف كانت قراءته بالخفض أو بالرفع لم يكن الحكم عليه بأنه كان يقرؤه خفضا, بأولى من الحكم عليه بأنه كان يقرؤه رفعا, إذ كانت العرب قد تدخل اللام في خبر المعطوف على جملة كلام تامّ قد عملت في ابتدائها " إن ", مع ابتدائهم إياه, كما قال حُمَيد بن ثَور الهِلاليّ:
إنَّ الخِلافَـــةَ بَعْـــدَهُمْ لَذَميمَــةٌ
وَخَــلائِفٌ طُــرُفٌ لَمِمَّــا أحْـقِرُ (1)
فأدخل اللام في خبر مبتدأ بعد جملة خبر قد عملت فيه " إن " إذ كان الكلام, وإن ابتدئ منويا فيه إن.
والصواب من القول في ذلك إن كان الأمر على ما وصفنا أن يقال: إن الخفض في هذه الأحرف والرفع قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار قد قرأ بهما علماء من القرّاء صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
------------------------
الهوامش:
(1) لم أجد البيت في ديوان حميد بن ثور الهلالي طبعة دار الكتب المصرية . والخلاف الطرف : هم الذين خلفوا بعد آبائهم القدماء . يقول : إن الخلافة بعد الخلفاء الأولين صارت ذميمة ، والخلفاء المحدثون محتقرون في عيني ، لأنهم لا يسلكون مسلك آبائهم . والشاهد في البيت أن الشاعر استأنف بالواو جملة من مبتدأ وخبر مرفوعين بعد الجملة الأولى التي مبتدؤها منصوب بأن ، وذلك كما في الآية : "إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون" . ا . هـ . وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة 299) قوله " وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات": تقرأ الآيات بالخفض، على تأويل النصب ، يرد على قوله "إن في السموات والأرض لآيات" . ويقوي الخفض فيها أنها في قراءة عبد الله بن مسعود : لآيات . وفي قراءة أُبي لآيات. والرفع قراءة الناس على الاستئناف فيما بعد أن . والعرب تقول : إن لي عليك مالا ، وعلى أخيك مال كثير ، فينصبون الثاني ويرفعونه وفي قراءة عبد الله : "وفي اختلاف الليل والنهار" فهذه تقوي خفض الاختلاف . ولو رفع رافع فقال: "واختلاف الليل والنهار آيات" أيضا ، يجعل الاختلاف آيات ، ولم نسمعه من أحد من القراء . قال : ولو رفع رافع الآيات وفيها اللام ، كان صوابا. قال : أنشدني الكسائي "إن الخلافة.." البيت.

تفسير وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)

القول في تأويل قوله تعالى : وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)
يقول تبارك وتعالى ( وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) أيها الناس, وتعاقبهما عليكم, هذا بظلمته وسواده وهذا بنوره وضيائه ( وَمَا أَنـزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ ) وهو الغيث الذي به تخرج الأرض أرزاق العباد وأقواتهم, وإحيائه الأرض بعد موتها: يقول: فأنبت ما أنـزل من السماء من الغيْث ميت الأرض, حتى اهتزّت بالنبات والزرع من بعد موتها, يعني: من بعد جدوبها وقحوطها ومصيرها دائرة لا نبت فيها ولا زرع.
وقوله ( وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ) يقول: وفي تصريفه الرياح لكم شمالا مرّة, وجنوبا أخرى, وصبًّا أحيانا, ودبورا أخرى لمنافعكم.
وقد قيل: عنى بتصريفها بالرحمة مرّة, وبالعذاب أخرى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ) قال: تصريفها إن شاء جعلها رحمة; وإن شاء جعلها عذابا.
وقوله ( آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) يقول تعالى ذكره: في ذلك أدلة وحجج لله على خلقه, لقوم يعقلون عن الله حججه, ويفهمون عنه ما وعظهم به من الآيات والعبر.

تفسير تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)

القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)
يقول تعالى ذكره: هذه الآيات والحجج يا محمد من ربك على خلقه نتلوها عليك بالحقّ: يقول: نخبرك عنها بالحقّ لا بالباطل, كما يخبر مشركو قومك عن آلهتهم بالباطل, أنها تقرّبهم إلى الله زُلْفَى, فبأيّ حديث بعد الله وآياته تؤمنون: يقول تعالى ذكره للمشركين به: فبأيّ حديث أيها القوم بعد حديث الله هذا الذي يتلوه عليكم, وبعد حجه عليكم وأدلته التي دلكم بها على وحدانيته من أنه لا ربّ لكم سواه, تصدّقون, إن كنتم كذّبتم لحديثه وآياته. وهذا التأويل على مذهب قراءة من قرأ (تُؤْمِنُونَ) على وجه الخطاب من الله بهذا الكلام للمشركين, وذلك قراءة عامة قرّاء الكوفيين.
وأما على قراءة من قرأه (يُؤْمِنُونَ) بالياء, فإن معناه: فبأيّ حديث يا محمد بعد حديث الله الذي يتلوه عليك وآياته هذه التي نبه هؤلاء المشركين عليها, وذكرهم بها, يؤمن هؤلاء المشركون, وهي قراءة عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة, ولكلتا القراءتين وجه صحيح, وتأويل مفهوم, فبأية القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب عندنا, وإن كنت أميل إلى قراءته بالياء إذ كانت في سياق آيات قد مضين قبلها على وجه الخبر, وذلك قوله: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ و لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

تفسير وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)

القول في تأويل قوله تعالى : وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)
يقول تعالى ذكره: الوادي السائل من صديد أهل جهنم, لكلّ كذّاب ذي إثم بربه, مفتر عليه .