تفسير سورة النجم تفسير الطبري

تفسير سورة النجم بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 53 في المصحف الكريم وعدد آياتها 62.

تفسير آيات سورة النجم

من
إلى
المفسرون

تفسير وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1)

القول في تأويل قوله تعالى : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) فقال بعضهم: عُنِيَ بالنجم: الثُّريا وعُنِي بقوله ( إِذَا هَوَى ) : إذا سقط, قالوا: تأويل الكلام: والثريا إذا سقطت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال: إذا سقطت الثريا مع الفجر.
حدثنا ابن حُميد. قال: ثنا مهران, عن سفيان ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال: الثريا، وقال مجاهد: ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال: سقوط الثريا.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال: إذا انصبّ.
وقال آخرون: معنى ذلك: والقرآن إذا نـزل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب, قال: ثنا مالك بن &; 22-496 &; سعير, قال: ثنا الأعمش, عن مجاهد, في قوله ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) قال: القرآن إذا نـزل.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) قال: قال عُتبة بن أبي لهب: كفرتُ بربّ النجم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمَا تَخَافُ أنْ يَأكُلَكَ كَلْبُ اللهِ" قال: فخرج في تجارة إلى اليمن, فبينما هم قد عرَّسوا, إذ سمعَ صوتَ الأسد, فقال لأصحابه إني مأكول, فأحدقوا به, وضرب على أصمخّتهم فناموا, فجاء حتى أخذه, فما سمعوا إلا صوته.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, قال: ثنا معمر, عن قتادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) فقال ابن لأبي لهب حسبته قال: اسمه عُتبة: كفرت بربّ النجم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احْذَرْ لا يأكُلكَ كَلْبُ الله "; قال: فضرب هامته. قال: وقال ابن طاوس عن أبيه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا تَخاف أنْ يُسلِّطَ اللهُ عَلَيْك كَلْبَهُ؟" فخرج ابن أبي لهب مع ناس فى سفر حتى إذا كانوا في بعض الطريق سمعوا صوت الأسد. فقال: ما هو إلا يريدني, فاجتمع أصحابه حوله وجعلوه في وسطهم, حتى إذا ناموا جاء الأسد فأخذه من بينهم. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: عنى بقوله: ( وَالنَّجْمِ ) والنجوم. وقال: ذهب إلى لفظ الواحد, وهو في المعنى الجميع, واستشهد لقوله ذلك بقول راعي الإبل:
فَبَـاتَتْ تَعُـدُّ النَّجْـمَ فـي مُسـتَحيرَةٍ
سَــريعٌ بِــأيْدي الآكـلِينَ جُمُودُهـا (1)
والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله مجاهد من أنه عنى بالنجم في هذا الموضع: الثريا, وذلك أن العرب تدعوها النجم, والقول الذي قاله من حكينا عنه من أهل البصرة قول لا نعلم أحدا من أهل التأويل قاله, وإن كان له وجه, فلذلك تركنا القول به.
--------------------
الهوامش :
(1) البيت لراعي الإبل النميري عبيد بن أيوب ( مجاز القرآن لأبي عبيدة الورقة 230 من المصورة 26059) قال عند قوله تعالى ( والنجم إذا هوى ) : قسم ، والنجم : النجوم ، ذهب إلى لفظ الواحد وهو في معنى الجمع ، قال راعي الإبل : " وباتت تعد النجم ... " البيت . وفي مستحيرة : في إهالة ، جعلها طافية ، لأنها من شحم . وقال ابن قتيبة في كتاب المعاني الكبير ، طبع الهند .
وقال الراعي وذكر امرأة أضافها : فباتت ... البيت . مستحيرة : جفنة قد تحير فيها الدسم ، فهي ترى فيها النجوم لصفاء الإهالة ، وأراد بقوله تعد النجم : الثرياء ، والعرب تسمى الثريا النجم . قال :
طلــــع النجــــم عشــــاء
ابتغــــى الـــراعي كســـاء
وقال التبريزي في شرح حماسة أبي تمام ( 4 : 39 ) قال أبو العلاء : كان بعض الناس يجعل " تعد " هنا من العدد ، أي أن هذه المرأة تعد النجم في الجفنة المستحيرة ، أي المملوءة ، لأنها ترى خيال النجوم فيها ، وقد يجوز هذا الوجه ، وقد يحتمل أن يكون " تعد " في معنى تحسب وتظن ، والمراد أن المرأة تحسب النجم في الجفنة ، لما تراه من بياض الشحم أ . هـ .

تفسير مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2)

وقوله: ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) يقول تعالى ذكره: ما حاد صاحبكم أيها الناس عن الحقّ ولا زال عنه, ولكنه على استقامة وسداد.
ويعني بقوله ( وَمَا غَوَى ) : وما صار غويًّا, ولكنه رشيد سديد; يقال: غَوَيَ يَغْوي من الغيّ, وهو غاو, وغَوِيّ يَغْوَى من اللبن (2) إذا بَشِم. وقوله: ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ) جواب قسم والنجم.
---------------------
الهوامش :
(2) في ( اللسان : غوى ) : غوى بالفتح غيا ، وغوى ( بالكسر ) غواية الأخيرة عن أبي عبيدة : ضل . وفيه : غوى الفصيل والسخلة ، يغوى غوى ( مثل فرح ) : بشم من اللبن أ . هـ .

تفسير وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3)

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)
يقول تعالى ذكره: وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه ( إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) : أي ما ينطق عن هواه .

تفسير إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4)

( إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ) قال: يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل, ويوحي جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
وقيل: عنى بقوله ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) بالهوى.

تفسير عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5)

وقوله ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) : يقول تعالى ذكره: عَلَّم محمدا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن جبريلُ عليه السلام , وعُنِي بقوله ( شَدِيدُ الْقُوَى ) شديد الأسباب. والقُوى: جمع قوّة. كما الجثى: جمع جثوة, والحبى: جمع حبوة. ومن العرب من يقول: القوى: بكسر القاف, كما تُجمع الرشوة رشا بكسر الراء, والحبوة حبا. وقد ذُكر عن العرب أنها تقول: رُشوة بضم الراء, ورشوة بكسرها, فيجب أن يكون جمع من جمع ذلك رشا بكسر الراء على لغة من قال: واحدها رشوة, وأن يكون جمع من جمع ذلك بضمّ الراء, من لغة من ضمّ الراء في واحدها وإن جمع بالكسر من كان لغته من الضمّ في الواحدة, أو بالضمّ من كان من لغته الكسر؛ فإنما هو حمل إحدى اللغتين على الأخرى.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) يعني جبريل.
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) قال: جبرائيل عليه السلام .
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, مثله.

تفسير ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6)

وقوله: ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( ذُو مِرَّةٍ ) فقال بعضهم: معناه: ذو خَلْق حسن.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, في قوله ( ذُو مِرَّةٍ ) قال: ذو منظر حسن.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) : ذو خَلْق طويل حسن.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذو قوّة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال : ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثني الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) قال: ذو قوة جبريل.
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران عن سفيان ( ذُو مِرَّةٍ ) قال: ذو قوّة.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) قال: ذو قوّة, المرّة: القوّة.
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) جبريل عليه السلام .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالمرّة: صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات. والجسم إذا كان كذلك من الإنسان, كان قويا, وإنما قلنا إن ذلك كذلك, لأن المرة واحدة المرر, وإنما أُريد به: ذو مرة سوية. وإذا كانت المرّة صحيحة, كان الإنسان صحيحا. ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا تَحِلُّ الصَّدقَةَ لِغَنِيّ, وَلا لذي مرةٍ سَويَّ".

تفسير وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7)

وقوله ( فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ) يقول: فاستوى هذا الشديد القويّ وصاحبكم محمد بالأفق الأعلى, وذلك لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى, وهو الأفق الأعلى, وعطف بقوله: " وَهُوَ" على ما في قوله: " فاسْتَوَى " من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم , والأكثر من كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه, فيقولوا: استوى هو وفلان, وقلَّما يقولون استوى وفلان، وذكر الفرّاء عن بعض العرب أنه أنشده:
ألَــمْ تَـرَ أنَّ النَّبْـعَ يَصْلُـبُ عـودُهُ
وَلا يَسْــتَوي والخِـرْوَعُ المُتَقَصِّـفُ (3)
فرد الخروع على " ما " في يستوي من ذكر النبع, ومنه قوله الله أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا فعطف بالآباء على المكنّى في كُنَّا من غير إظهار نحن, فكذلك قوله ( فَاسْتَوَى وَهُوَ ) , وقد قيل: إن المستوي: هو جبريل, فإن كان ذلك كذلك, فلا مُؤْنة في ذلك, لأن قوله ( وَهُوَ ) من ذكر اسم جبريل, وكأن قائل ذلك وجَّه معنى قوله ( فَاسْتَوَى ) : أي ارتفع واعتدل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) جبريل عليه السلام وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
-------------------
الهوامش :
(3) هذا البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 314 ) وفي روايته " يخلق " في مكان " يصلب " . والخروع : شجرة لينة الأغصان ، تتقصف أفنانها للينها ، ومن ثمرها يستخرج زيت الخروع الذي يستعمل في أغراض طبية وصناعية . والنبع شجر صلب ينبت في أعالي الجبال ، تتخذ من خشبه القسي والسهام . وبينه وبين الخروع بون بعيد في صلابة العود . واستشهد الفراء بالبيت عند قوله تعالى " فاستوى وهو بالأفق الأعلى " أي استوى ( هو ) أي جبريل ، وهو أي محمد صلى الله عليه وسلم بالأفق الأعلى ، وعطف هو البارز على هو المستتر ، فأضمر الاسم في استوى ، ورد عليه هو ، قال : وأكثر كلام العرب أن يقولوا : استوى هو وأبوه ؛ ولا يكادون يقولون : استوى وأبوه ، وهو جائز لأن في الفعل مضمرا ؛ أنشدني بعضهم : " ألم تر أن النبع ... البيت " . وقال الله وهو أصدق قيلا : (أئذا كنا ترابا وآباؤنا ) فرد الآباء على المضمر في كنا ، إلا أنه حسن لما حيل بينهما بالتراب ، والكلام : أئذا كنا ترابا نحن وآباؤنا أ . هـ .