تفسير سورة التكوير تفسير الطبري

تفسير سورة التكوير بواسطة تفسير الطبري هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 81 في المصحف الكريم وعدد آياتها 29.

تفسير آيات سورة التكوير

من
إلى
المفسرون

تفسير إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)

القول في تأويل قوله تعالى : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: إذا الشمس ذهب ضوءها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين بن الحريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ثني أبيّ بن كعب، قال: ستّ آيات قبل يوم القيامة: بينا الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك، إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحرّكت واضطربت واحترقت، وفزِعت الجنّ إلى الإنس، والإنس إلى الجنّ، واختلطت الدوابّ والطير والوحش، وماجوا بعضهم في بعض وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ قال: اختلطت ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قال: أهملها أهلها وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ قال: قالت الجنّ للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، قال: فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي نار تأجج؛ قال: فبينما هم كذلك إذ تصدّعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، قال: فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم .
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) يقول: أظلمت .
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) يعني: ذهبت .
حدثني محمد بن عمارة، حدثني عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: اضمحلت وذهبت .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، في قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: ذهب ضوءها فلا ضوء لها .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: غوّرت، وهي بالفارسية، كور تكور .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) أما تكوير الشمس: فذهابها .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: كوّرت كورا بالفارسية .
وقال آخرون: معنى ذلك: رمي بها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام بن عليّ، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: نُكِّست .
حدثني محمد بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح مثله.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت إسماعيل، سمع أبا صالح في قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: أُلقيت .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خثيم ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) قال: رُمِي بها .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خثيم، مثله.
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال: ( كُوِّرَتْ ) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها.

تفسير وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)

وقوله: ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) يقول: وإذا النجوم تناثرت من السماء فتساقطت، وأصل الانكدار: الانصباب، كما قال العجاج:
أبْصَرَ خِرْبانَ فَضَاءٍ فانْكَدَرْ (1)
يعني بقوله: انكدر: انصبّ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خثيم ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) قال: تناثرت .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خثيم، مثله.
حدثني محمد بنُ عمارة، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) قال: تناثرت .
حدثني محمد بن موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) قال: انتثرت .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) قال: تساقطت وتهافتت .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) قال: رُمِي بها من السماء إلى الأرض .
وقال آخرون: انكدرت: تغيرت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) يقول: تغيرت .
-------------------
الهوامش :
(1) البيت : للعجاج الراجز ( ديوانه 17 ) وقبله * تقتضـي البـازي إذا البازي كسر *
وهو من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 185 ) قال عند قوله تعالى : { وإذا النجوم انكدرت } يقال : انكدر فلان : انصب ، قال العجاج : " أبصر خربان ... " البيت . والخربان : جمع خرب بالتحريك : ذكر الحبارى ، وقيل : هو الحبارى كلها . يريد أن البازي قد انقض من أعلى الجو ؛ لأنه رأى أسراب الحبارى على الأرض ، فانقض ليصيدها .

تفسير وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)

وقوله: ( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) يقول: وإذا الجبال سيرها الله، فكانت سرابا، وهباء منبثا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد ( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) قال: ذهبت .

تفسير وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)

قوله: ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) والعشار: جمع عشراء، وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر من حملها. يقول تعالى ذكره: وإذا هذه الحوامل التي يَتَنافس أهلها فيها أُهملت فتركت، من شدة الهول النازل بهم فكيف بغيرها ؟! .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين بن الحريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ثني أبيّ بن كعب ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قال: إذا أهملها أهلها .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خثيم ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قال: خلا منها أهلها لم تُحْلَب ولم تُصرّ .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خثيم ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قال: لم تحلب ولم تصر، وتخلَّى منها أربابها .
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، في قول الله: ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قال: سُيِّبت: تُرِكت .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قال: عشار الإبل .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قال: سيبها أهلها فلم تصر، ولم تحلب، ولم يكن في الدنيا مال أعجب إليهم منها .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) قال: عشار الإبل سيبت .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) يقول: لا راعي لها .

تفسير وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: ماتت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن مسلم الطوسي، قال: ثنا عباد بن العوّام، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله: ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) قال: حَشْرُ البهائم: موتها، وحشر كل شيء: الموت، غير الجنّ والإنس، فإنهما يوقفان يوم القيامة .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) قال: أتى عليها أمر الله، قال سفيان، قال أبي، فذكرته لعكرِمة، فقال: قال ابن عباس: حشرها: موتها .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خثيم، بنحوه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإذا الوحوش اختلطت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية، قال: ثني أُبيّ بن كعب ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) قال: اختلطت .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: جُمعت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) هذه الخلائق موافية يوم القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى حشرت: جمعت، فأميتت لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر: الجمع، ومنه قول الله: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً يعني: مجموعة. وقوله: فَحَشَرَ فَنَادَى وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب الظاهر من تأويله، لا على الأنكر المجهول .

تفسير وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)

وقوله: ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وإذا البحار اشتعلت نارا وحَمِيت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ثني أبيُّ بن كعب ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: قالت الجنّ للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي تأجج نارا .
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عليّ رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟ فقال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقا وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) مخففة .
حدثني حوثرة بن محمد المنقري، قال: ثنا أبو أُسامة، قال: ثنا مجالد، قال: أخبرني شيخ من بجيلة عن ابن عباس، في قوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قال: كوّر الله الشمس والقمر والنجوم في البحر، فيبعث عليها ريحا دبورا، فتنفخه حتى يصير نارا، فذلك قوله: ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: إنها توقد يوم القيامة، زعموا ذلك التسجير في كلام العرب .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، في قوله: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ قال: بمنـزلة التنور المسجور ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) مثله .
قال: ثنا مِهران، عن سفيان ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: أوقدت .
وقال آخرون: معنى ذلك: فاضت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: فاضت .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع مثله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي، في قوله: ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: مُلئت، ألا ترى أنه قال: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) يقول: فُجِّرت .
وقال آخرون: بل عُنِيَ بذلك أنه ذهب ماؤها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: غار ماؤها فذهب .
حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسين، في هذا الحرف ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: يبست .
حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، بمثله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) قال: يبست.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: مُلئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال: " وَإذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ " والعرب تقول للنهر أو للرَّكيّ المملوء: ماء مسجور؛ ومنه قول لبيد:
فَتَوَسَّـطا عُـرْضَ السَّـرِيّ وَصَدَّعـا
مَسْـــجُورَةً مُتَجــاوِرًا قُلامُهــا (2)
ويعني بالمسجورة: المملوءة ماء.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ( سُجِّرَتْ ) بتشديد الجيم. وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: بتخفيف الجيم.
والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
-----------------
الهوامش :
(2) البيت للبيد في معلقة ( انظره في شرحي الزوزني والتبريزي ) وقد مر استشهاد المؤلف به في الجزء ( 16 : 71 ) ، فارجع إليه ثمه .

تفسير وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)

وقوله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بضعهم: أُلحِقَ كلُّ إنسان بشكله، وقُرِنَ بين الضُّرَباءِ والأمثال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن عمر رضي الله عنه ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: هما الرجلان يعمَلان العمل الواحد يدخلان به الجنة، ويدخلان به النار .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة، وقال: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ، قال: ضرباءَهم .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة أو النار .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب أنه سمع النعمان بن بشير يقول: سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب، قال: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ثم قال: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: أزواج في الجنة، وأزواج في النار .
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن قول الله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، وبين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار .
حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا محمد بن الصباح الدولابي، عن الوليد، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، والنعمان عن عمرو قال: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: الضرباء كلّ رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله، وذلك أن الله يقول: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ قال: هم الضرباء .
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة .
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: ألحق كلّ امرئ بشيعته .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: الأمثال من الناس جُمِع بينهم .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: لحق كلُّ إنسان بشيعته، اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خثيم ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: يحشر المرء مع صاحب عمله .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع،: قال: يجيء المرء مع صاحب عمله .
وقال آخرون: بل عني بذلك أن الأرواح ردّت إلى الأجساد فزوّجت بها: أي جعلت لها زوجا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرِمة ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: الأرواح ترجع إلى الأجساد .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن الشعبيّ أنه قال في هذه الآية ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: زوّجت الأجساد فردّت الأرواح في الأجساد .
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن عكرِمة ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: ردّت الأرواح في الأجساد .
حدثني الحسن بن زريق الطهوي، قال: ثنا أسباط، عن أبيه، عن عكرمة، مثله.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا داود، عن الشعبيّ، في قوله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: زوّجت الأرواح الأجساد .
وأولى التأويلين في ذلك بالصحة، الذي تأوّله عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلة التي اعتلّ بها، وذلك قول الله تعالى ذكره: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ، وقوله: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وذلك لا شكّ الأمثال والأشكال في الخير والشرّ، وكذلك قوله: ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) بالقرناء والأمثال في الخير والشرّ.
وحدثني مطر بن محمد الضبي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قال: سيأتي أوّلها والناس ينظرون، وسيأتي آخرها إذا النفوس زوّجت .