تفسير سورة النحل تفسير ابن كثير

تفسير سورة النحل بواسطة تفسير ابن كثير هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 16 في المصحف الكريم وعدد آياتها 128.

تفسير آيات سورة النحل

من
إلى
المفسرون

تفسير أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

تفسير سورة النحل وهي مكية .
أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرا بصيغة الماضي الدال على التحقق والوقوع لا محالة [ كما قال تعالى ] : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) [ الأنبياء : 1 ] وقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) [ القمر : 1 ] .
وقوله : ( فلا تستعجلوه ) أي : قرب ما تباعد فلا تستعجلوه .
يحتمل أن يعود الضمير على الله ، ويحتمل أن يعود على العذاب ، وكلاهما متلازم ، كما قال تعالى : ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) [ العنكبوت : 53 ، 54 ] .
وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب ، فقال في قوله : ( أتى أمر الله ) أي : فرائضه وحدوده .
وقد رده ابن جرير فقال : لا نعلم أحدا استعجل الفرائض والشرائع قبل وجودها بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه ، استبعادا وتكذيبا .
قلت : كما قال تعالى : ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ) [ الشورى : 18 ] .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش ، عن محمد بن عبد الله - مولى المغيرة بن شعبة - عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس ، فما تزال ترتفع في السماء ، ثم ينادي مناد فيها : يا أيها الناس ، فيقبل الناس بعضهم على بعض : هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول : نعم ، ومنهم من يشك ، ثم ينادي الثانية : يا أيها الناس ، فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟ فيقولون : نعم ، ثم ينادي الثالثة : يا أيها الناس ، أتى أمر الله فلا تستعجلوه . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فوالذي نفسي بيده ، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا ، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه شيئا أبدا ، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا - قال - ويشتغل الناس .
ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره ، وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد ، تعالى وتقدس علوا كبيرا ، وهؤلاء هم المكذبون بالساعة ، فقال : ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) .

تفسير يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)

يقول تعالى : ( ينزل الملائكة بالروح ) أي : الوحي كما قال تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ) [ الشورى : 52 ] .
وقوله : ( على من يشاء من عباده ) وهم الأنبياء ، كما قال : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] وقال : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) [ الحج : 75 ] وقال : ( يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [ غافر : 15 ، 16 ] .
وقوله : ( أن أنذروا ) أي : لينذروا أنه لا إله إلا أنا ) [ كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا ) ] فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال في هذه [ الآية ] : ( فاتقون ) أي : فاتقوا عقوبتي لمن خالف أمري وعبد غيري .

تفسير خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)

يخبر تعالى عن خلقه العالم العلوي وهو السماوات ، والعالم السفلي وهو الأرض بما حوت ، وأن ذلك مخلوق بالحق لا للعبث ، بل ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم : 31 ] .
ثم نزه نفسه عن شرك من عبد معه غيره [ من الأصنام التي لا تخلق شيئا وهم يخلقون فكيف ناسب أن يعبد معه غيره ] وهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له ، فلهذا يستحق أن يعبد وحده لا شريك له .

تفسير خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)

ثم نبه على خلق جنس الإنسان من نطفة ) أي : ضعيفة مهينة ، فلما استقل ودرج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ، ويحارب رسله ، وهو إنما خلق ليكون عبدا لا ضدا ، كما قال تعالى : وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا ) [ الفرقان : 54 ، 55 ] وقال : ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) [ يس : 77 ، 79 ] .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن بسر بن جحاش قال : بصق رسول الله في كفه ، ثم قال : يقول الله : ابن آدم ، أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت ، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : أتصدق . وأنى أوان الصدقة ؟ .

تفسير وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)

يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم ، كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج ، وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع ، من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون ، ومن ألبانها يشربون ، ويأكلون من أولادها ،

تفسير وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)

وما لهم فيها من الجمال وهو الزينة ولهذا قال : ( ولكم فيها جمال حين تريحون ) وهو وقت رجوعها عشيا من المرعى فإنها تكون أمده خواصر ، وأعظمه ضروعا ، وأعلاه أسنمة ، وحين تسرحون ) أي : غدوة حين تبعثونها إلى المرعى .

تفسير وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)

وتحمل أثقالكم ) وهي الأحمال المثقلة التي تعجزون عن نقلها وحملها ، إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ) وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة ، وما جرى مجرى ذلك ، تستعملونها في أنواع الاستعمال ، من ركوب وتحميل ، كما قال تعالى : ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون ) [ المؤمنون : 21 ، 22 ] وقال تعالى : ( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون ) [ غافر : 79 ، 81 ] ولهذا قال هاهنا بعد تعداد هذه النعم : ( إن ربكم لرءوف رحيم ) أي : ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام وسخرها لكم ، كما قال : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) [ يس : 71 ، 72 ] وقال : ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) [ الزخرف : 12 - 14 ] .
قال ابن عباس : ( لكم فيها دفء ) أي : ثياب ، والمنافع : ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( دفء ومنافع ) نسل كل دابة .
وقال مجاهد : ( لكم فيها دفء ) قال : لباس ينسج ، ومنافع تركب ، ولحم ولبن .
وقال قتادة : ( دفء ومنافع ) يقول : لكم فيها لباس ، ومنفعة ، وبلغة .
وكذا قال غير واحد من المفسرين بألفاظ متقاربة .