تفسير سورة فاطر الآية 10 تفسير ابن كثير

تفسير سورة فاطر الآية 10 بواسطة تفسير ابن كثير هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 35 في المصحف الكريم وعدد آياتها 45.

تفسير آيات سورة فاطر

من
إلى
المفسرون

تفسير مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)

وقوله : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) أي : من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة ، فليلزم طاعة الله ، فإنه يحصل له مقصوده; لأن الله مالك الدنيا والآخرة ، وله العزة جميعها ، كما قال تعالى : ( الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ) [ النساء : 139 ] .
وقال تعالى : ( ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا ) [ يونس : 65 ] ، وقال : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) [ المنافقون : 8 ] .
قال مجاهد : ( من كان يريد العزة ) بعبادة الأوثان ، ( فإن العزة لله جميعا ) .
وقال قتادة : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) أي : فليتعزز بطاعة الله عز وجل .
وقيل : من كان يريد علم العزة ، لمن هي ، ( فإن العزة لله جميعا ) ، حكاه ابن جرير .
وقوله : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) يعني : الذكر والتلاوة والدعاء . قاله غير واحد من السلف .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، أخبرني جعفر بن عون ، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه المخارق بن سليم قال : قال لنا عبد الله - هو ابن مسعود - إذا حدثناكم حديثا أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله : إن العبد المسلم إذا قال : " سبحان الله وبحمده ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، تبارك الله " ، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ، ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن ، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل ، ثم قرأ عبد الله : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) .
وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شقيق قال : قال كعب الأحبار : إن ل " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " لدويا حول العرش كدوي النحل ، يذكرن بصاحبهن ، والعمل الصالح في الخزائن .
وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار ، رحمه الله ، وقد روي مرفوعا .
قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا موسى - يعني ابن مسلم الطحان - عن عون بن عبد الله ، عن أبيه - أو : عن أخيه - عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذين يذكرون من جلال الله ، من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله ، يتعاطفن حول العرش ، لهن دوي كدوي النحل ، يذكرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم ألا يزال له عند الله شيء يذكر به ؟ " .
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بشر بكر بن خلف ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن موسى بن أبي [ عيسى ] الطحان ، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبيه - أو : عن أخيه - عن النعمان بن بشير ، به .
وقوله : ( والعمل الصالح يرفعه ) : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الكلم الطيب : ذكر الله ، يصعد به إلى الله ، عز وجل ، والعمل الصالح : أداء فرائضه . ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ، رد كلامه على عمله ، فكان أولى به .
وكذا قال مجاهد : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب . وكذا قال أبو العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وشهر بن حوشب ، وغير واحد [ من السلف ] .
وقال إياس بن معاوية القاضي : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام .
وقال الحسن ، وقتادة : لا يقبل قول إلا بعمل .
وقوله : ( والذين يمكرون السيئات ) : قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وشهر بن حوشب : هم المراءون بأعمالهم ، يعني : يمكرون بالناس ، يوهمون أنهم في طاعة الله ، وهم بغضاء إلى الله عز وجل ، يراءون بأعمالهم ، ( ولا يذكرون الله إلا قليلا ) [ النساء : 142 ] .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المشركون .
والصحيح أنها عامة ، والمشركون داخلون بطريق الأولى ، ولهذا قال : ( لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ) ، أي : يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى ، فإنه ما أسر عبد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي ، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم ، بل يكشف لهم عن قريب ، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية .