تفسير سورة الواقعة تفسير ابن كثير

تفسير سورة الواقعة بواسطة تفسير ابن كثير هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 56 في المصحف الكريم وعدد آياتها 96.

تفسير آيات سورة الواقعة

من
إلى
المفسرون

تفسير إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)

تفسير سورة الواقعة وهي مكية .
قال أبو إسحاق عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال أبو بكر : يا رسول الله ، قد شبت ؟ قال : " شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت " .
رواه الترمذي وقال : حسن غريب
وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن مسعود بسنده إلى عمرو بن الربيع بن طارق المصري : حدثنا السري بن يحيى الشيباني ، عن أبي شجاع ، عن أبي ظبية قال : مرض عبد الله مرضه الذي توفي فيه ، فعاده عثمان بن عفان فقال : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي . قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي . قال ألا آمر لك بطبيب ؟ قال : الطبيب أمرضني . قال : ألا آمر لك بعطاء ؟ قال : لا حاجة لي فيه . قال : يكون لبناتك من بعدك ؟ قال : أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة ، لم تصبه فاقة أبدا " . .
ثم قال ابن عساكر : كذا قال والصواب : عن " شجاع " ، كما رواه عبد الله بن وهب عن السري . وقال عبد الله بن وهب : أخبرني السري بن يحيى أن شجاعا حدثه ، عن أبي ظبية ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا " . فكان أبو ظبية لا يدعها .
وكذا رواه أبو يعلى ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن محمد بن منيب ، عن السري بن يحيى ، عن شجاع ، عن أبي ظبية ، عن ابن مسعود ، به . ثم رواه عن إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن محمد بن منيب العدني ، عن السري بن يحيى ، عن أبي ظبية ، عن ابن مسعود ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة ، لم تصبه فاقة أبدا " . لم يذكر في سنده " شجاعا " . قال : وقد أمرت بناتي أن يقرأنها كل ليلة .
وقد رواه ابن عساكر أيضا من حديث حجاج بن نصير وعثمان بن اليمان ، عن السري بن يحيى ، عن شجاع ، عن أبي فاطمة قال : مرض عبد الله ، فأتاه عثمان بن عفان يعوده ، فذكر الحديث بطوله . قال عثمان بن اليمان : كان أبو فاطمة هذا مولى لعلي بن أبي طالب .
وقال [ الإمام ] أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا إسرائيل ، ويحيى بن آدم ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ; أنه سمع جابر بن سمرة يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم ، ولكنه كان يخفف . كانت صلاته أخف من صلاتكم ، وكان يقرأ في الفجر " الواقعة " ونحوها من السور .
الواقعة : من أسماء يوم القيامة ، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها ، كما قال : ( فيومئذ وقعت الواقعة ) [ الحاقة : 15 ]

تفسير لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)

وقوله : ( ليس لوقعتها كاذبة ) أي : ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف يصرفها ، ولا دافع يدفعها ، كما قال : ( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ) [ الشورى : 47 ] ، وقال : ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) [ المعارج : 1 ، 2 ] ، وقال تعالى : ( ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ) [ الأنعام : 73 ] .
ومعنى ) كاذبة ) - كما قال محمد بن كعب - : لا بد أن تكون . وقال قتادة : ليس فيها مثنوية ولا ارتداد ولا رجعة .
قال ابن جرير : والكاذبة : مصدر كالعاقبة والعافية .

تفسير خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)

وقوله : ( خافضة رافعة ) أي : تحفض أقواما إلى أسفل سافلين إلى الجحيم ، وإن كانوا في الدنيا أعزاء . وترفع آخرين إلى أعلى عليين ، إلى النعيم المقيم ، وإن كانوا في الدنيا وضعاء . وهكذا قال الحسن وقتادة ، وغيرهما .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب المعنى ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن أبيه ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( خافضة رافعة ) تخفض أناسا وترفع آخرين .
وقال عبيد الله العتكي ، عن عثمان بن سراقة ، ابن خالة عمر بن الخطاب : ( خافضة رافعة ) [ قال ] : الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ، ورفعت أولياء الله إلى الجنة .
وقال محمد بن كعب : تخفض رجالا كانوا في الدنيا مرتفعين ، وترفع رجالا كانوا في الدنيا مخفوضين .
وقال السدي : خفضت المتكبرين ، ورفعت المتواضعين .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( خافضة رافعة ) أسمعت القريب والبعيد . وقال عكرمة : خفضت فأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى . وكذا قال الضحاك ، وقتادة .

تفسير إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)

وقوله : ( إذا رجت الأرض رجا ) أي : حركت تحريكا فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها . ولهذا قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغير واحد في قوله : ( إذا رجت الأرض رجا ) أي : زلزلت زلزالا [ شديدا ] .
وقال الربيع بن أنس : ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه .
وهذه كقوله تعالى : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) [ الزلزلة : 1 ] ، وقال تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) [ الحج : 1 ] .

تفسير وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)

وقوله : ( وبست الجبال بسا ) أي : فتتت فتا . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة ، وغيرهم .
وقال ابن زيد : صارت الجبال كما قال [ الله ] تعالى : ( كثيبا مهيلا ) [ المزمل : 14 ] .

تفسير فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)

وقوله : ( فكانت هباء منبثا ) ، قال أبو إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، رضي الله عنه : ( هباء منبثا ) كرهج الغبار يسطع ثم يذهب ، فلا يبقى منه شيء .
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : ( فكانت هباء منبثا ) : الهباء الذي يطير من النار ، إذا اضطرمت يطير منه الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئا .
وقال عكرمة : المنبث : الذي ذرته الريح وبثته . وقال قتادة : ( هباء منبثا ) كيبيس الشجر الذي تذروه الرياح .
وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ، وذهابها وتسييرها ونسفها - أي قلعها - وصيرورتها كالعهن المنفوش .

تفسير وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)

وقوله : ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) أي : ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف : قوم عن يمين العرش ، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن ، ويؤتون كتبهم بأيمانهم ، ويؤخذ بهم ذات اليمين . قال السدي : وهم جمهور أهل الجنة . وآخرون عن يسار العرش ، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيسر ، ويؤتون كتبهم بشمائلهم ، ويؤخذ بهم ذات الشمال ، وهم عامة أهل النار - عياذا بالله من صنيعهم - وطائفة سابقون بين يديه وهم أخص وأحظى وأقرب من أصحاب اليمين الذين هم سادتهم ، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء ، وهم أقل عددا من أصحاب اليمين ;