تفسير سورة الحديد الآية 13 تفسير ابن كثير

تفسير سورة الحديد الآية 13 بواسطة تفسير ابن كثير هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مدنية وجاء ترتيبها 57 في المصحف الكريم وعدد آياتها 29.

تفسير آيات سورة الحديد

من
إلى
المفسرون

تفسير يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)

وقوله : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ) وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة ، والزلازل العظيمة ، والأمور الفظيعة وإنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله ، وعمل بما أمر الله به ، وترك ما عنه زجر .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثني سليم بن عامر قال : خرجنا على جنازة في باب دمشق ، ومعنا أبو أمامة الباهلي ، فلما صلى على الجنازة ، وأخذوا في دفنها ، قال أبو أمامة : أيها الناس ، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر ، وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة ، وبيت الظلمة ، وبيت الدود ، وبيت الضيق ، إلا ما وسع الله ، تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ، فإنكم في بعض تلك المواطن [ حتى ] يغشى الناس أمر من الله ، فتبيض وجوه وتسود وجوه ، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فتغشى الناس ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئا ، وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه ، قال ( أو كظلمات في بحر لجي ) إلى قوله : ( فما له من نور ) [ النور : 40 ] ، فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى بنور البصير ، ويقول المنافقون للذين آمنوا : ( انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقين حيث قال : ( يخادعون الله وهو خادعهم ) [ النساء : 142 ] . فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور ، فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب ، ( باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) الآية . يقول سليم بن عامر : فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ، ويميز الله بين المؤمن والمنافق .
ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا ابن حيوة ، حدثنا أرطأة بن المنذر ، حدثنا يوسف بن الحجاج ، عن أبي أمامة قال : تبعث ظلمة يوم القيامة ، فما من مؤمن ، ولا كافر يرى كفه ، حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم ، فيتبعهم المنافقون فيقولون : ( انظرونا نقتبس من نوركم ) .
وقال العوفي ، والضحاك ، وغيرهما ، عن ابن عباس : بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا فلما رأي المؤمنون النور توجهوا نحوه ، وكان النور دليلا من الله إلى الجنة ، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم ، فأظلم الله على المنافقين ، فقالوا حينئذ : ( انظرونا نقتبس من نوركم ) فإنا كنا معكم في الدنيا . قال المؤمنون : ( ارجعوا ) من حيث جئتم من الظلمة ، فالتمسوا هنالك النور .
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا الحسن بن علويه القطان ، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، حدثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة ، حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده ، وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نورا ، وكل منافق نورا ، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات ، فقال المنافقون : ( انظرونا نقتبس من نوركم ) وقال المؤمنون : ( ربنا أتمم لنا نورنا ) [ التحريم : 8 ] . فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا " وقوله : ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) قال الحسن ، وقتادة : هو حائط بين الجنة النار .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هو الذي قال الله تعالى : ( وبينهما حجاب ) [ الأعراف : 46 ] . وهكذا روي عن مجاهد ، رحمه الله ، وغير واحد ، وهو الصحيح .
( باطنه فيه الرحمة ) أي : الجنة وما فيها ( وظاهره من قبله العذاب ) أي : النار . قاله قتادة ، وابن زيد ، وغيرهما .
قال ابن جرير : وقد قيل : إن ذلك السور سور بيت المقدس عند وادي جهنم . ثم قال : حدثنا ابن البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عطية بن قيس ، عن أبي العوام - مؤذن بيت المقدس - قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : إن السور الذي ذكر الله في القرآن : ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه ، وظاهره وادي جهنم .
ثم روي عن عبادة بن الصامت ، وكعب الأحبار ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، نحو ذلك . وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك ، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ، ونفس المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم ; فإن الجنة في السماوات في أعلى عليين ، والنار في الدركات أسفل سافلين . وقول كعب الأحبار : إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد ، فهذا من إسرائيلياته وترهاته . وإنما المراد بذلك : سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين ، فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه ، فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب ، كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة