تفسير سورة التكوير تفسير ابن كثير

تفسير سورة التكوير بواسطة تفسير ابن كثير هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مكية وجاء ترتيبها 81 في المصحف الكريم وعدد آياتها 29.

تفسير آيات سورة التكوير

من
إلى
المفسرون

تفسير إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)

تفسير سورة التكوير وهي مكية
قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن بحير القاص أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ : ( إذا الشمس كورت " ، و وإذا السماء انفطرت " ، و " إذا السماء انشقت
وهكذا رواه الترمذي عن العباس بن عبد العظيم العنبري عن عبد الرزاق به
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( إذا الشمس كورت ) يعني أظلمت وقال العوفي عنه ذهبت وقال مجاهد اضمحلت وذهبت وكذا قال الضحاك
وقال قتادة ذهب ضوءها . وقال سعيد بن جبير ( كورت ) غورت
وقال الربيع بن خثيم ( كورت ) يعني رمي بها
وقال أبو صالح ( كورت ) ألقيت وعنه أيضا نكست . وقال زيد بن أسلم تقع في الأرض
قال ابن جرير والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض ومنه تكوير العمامة وهو لفها على الرأس وكتكوير الكاره ، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض فمعنى قوله ( كورت ) جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمى بها ، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن ابن عباس ( إذا الشمس كورت ) قال يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحا دبورا فتضرمها نارا وكذا قال عامر الشعبي ثم قال ابن أبي حاتم
حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن ابن يزيد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله : ( إذا الشمس كورت ) قال كورت في جهنم "
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا موسى بن محمد بن حيان حدثنا درست بن زياد حدثنا يزيد الرقاشي حدثنا أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشمس والقمر ثوران عقيران في النار "
هذا حديث ضعيف لأن يزيد الرقاشي ضعيف والذي رواه البخاري في الصحيح بدون هذه الزيادة ثم قال البخاري
حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله الداناج حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الشمس والقمر يكوران يوم القيامة "
انفرد به البخاري وهذا لفظه وإنما أخرجه في كتاب بدء الخلق وكان جديرا أن يذكره هاهنا أو يكرره كما هي عادته في أمثاله! وقد رواه البزار فجود إيراده فقال
حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج قال : سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال إن الشمس والقمر نوران في النار يوم القيامة فقال الحسن وما ذنبهما ؟ فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أحسبه قال وما ذنبهما
ثم قال لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ولم يرو عبد الله الداناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث

تفسير وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)

وقوله ( وإذا النجوم انكدرت ) أي انتثرت كما قال تعالى ( وإذا الكواكب انتثرت ) الانفطار : 2 وأصل الانكدار الانصباب
قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال ست آيات قبل يوم القيامة بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش فماجوا بعضهم في بعض ( وإذا الوحوش حشرت ) قال اختلطت ( وإذا العشار عطلت ) قال أهملها أهلها ( وإذا البحار سجرت ) قال قالت الجن نحن نأتيكم بالخبر . قال فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج ، قال فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا قال فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم
رواه ابن جرير وهذا لفظه وابن أبي حاتم ببعضه وهكذا قال مجاهد والربيع بن خثيم ، والحسن البصري وأبو صالح وحماد بن أبي سليمان والضحاك في قوله ( وإذا النجوم انكدرت ) أي تناثرت
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وإذا النجوم انكدرت ) أي تغيرت . وقال يزيد بن أبي مريم عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وإذا النجوم انكدرت ) قال انكدرت في جهنم وكل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى وأمه ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها رواه ابن أبي حاتم بالإسناد المتقدم

تفسير وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)

أي زالت عن أماكنها ونسفت فتركت الأرض قاعا صفصفا.

تفسير وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)

وقوله ( وإذا العشار عطلت ) قال عكرمة ومجاهد عشار الإبل قال مجاهد : ( عطلت ) تركت وسيبت
وقال أبي بن كعب والضحاك أهملها أهلها : وقال الربيع بن خثيم لم تحلب ولم تصر تخلى منها أربابها
وقال الضحاك تركت لا راعي لها
والمعنى في هذا كله متقارب والمقصود أن العشار من الإبل وهي خيارها والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشهر العاشر واحدها عشراء ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع قد اشتغل الناس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها بعد ما كانوا أرغب شيء فيها بما دهمهم من الأمر العظيم المفظع الهائل وهو أمر القيامة وانعقاد أسبابها ووقوع مقدماتها
وقيل بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها كذلك ولا سبيل لهم إليها وقد قيل في العشار إنها السحاب يعطل عن المسير بين السماء والأرض لخراب الدنيا . و [ قد قيل إنها الأرض التي تعشر وقيل : إنها الديار التي كانت تسكن تعطل لذهاب أهلها حكى هذه الأقوال كلها الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه " التذكرة ورجح أنها الإبل وعزاه إلى أكثر الناس .
قلت بل لا يعرف عن السلف والأئمة سواه والله أعلم

تفسير وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)

وقوله ( وإذا الوحوش حشرت ) أي جمعت كما قال تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) الأنعام 38 ] قال ابن عباس يحشر كل شيء حتى الذباب رواه ابن أبي حاتم وكذا قال الربيع بن خثيم والسدي وغير واحد وكذا قال قتادة في تفسير هذه الآية إن هذه الخلائق [ موافية فيقضي الله فيها ما يشاء
وقال عكرمة حشرها : موتها
وقال ابن جرير حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثنا عباد بن العوام أخبرنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس في قوله ( وإذا الوحوش حشرت ) قال حشر البهائم : موتها وحشر كل شيء الموت غيره الجن والإنس فإنهما يوقفان يوم القيامة
حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن أبي يعلى عن الربيع بن خثيم : ( وإذا الوحوش حشرت ) قال أتى عليها أمر الله قال سفيان قال أبي فذكرته لعكرمة فقال : قال ابن عباس حشرها : موتها
وقد تقدم عن أبي بن كعب أنه قال ( وإذا الوحوش حشرت ) اختلطت
قال ابن جرير والأولى قول من قال : ( حشرت ) جمعت قال الله تعالى ( والطير محشورة ) ص 19 أي : مجموعة

تفسير وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)

وقوله ( وإذا البحار سجرت ) قال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية عن داود عن سعيد بن المسيب قال قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود أين جهنم قال البحر . فقال ما أراه إلا صادقا ) والبحر المسجور ) [ الطور : 6 وإذا البحار سجرت ( [ مخففة .
وقال ابن عباس وغير واحد يرسل الله عليها الدبور فتسعرها وتصير نارا تأجج وقد تقدم الكلام على ذلك عند قوله ( والبحر المسجور )
وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أبو طاهر حدثني عبد الجبار بن سليمان أبو سليمان النفاط شيخ صالح يشبه مالك بن أنس عن معاوية بن سعيد قال إن هذا البحر بركة يعني بحر الروم وسط الأرض والأنهار كلها تصب فيه والبحر الكبير يصب فيه وأسفله آبار مطبقة بالنحاس فإذا كان يوم القيامة أسجر
وهذا أثر غريب عجيب وفي سنن أبي داود لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا " الحديث وقد تقدم الكلام عليه في سورة فاطر .
وقال مجاهد والحسن بن مسلم : ( سجرت ) أوقدت وقال الحسن يبست وقال الضحاك وقتادة غاض ماؤها فذهب ولم يبق فيها قطرة وقال الضحاك أيضا : ( سجرت ) فجرت وقال السدي فتحت وسيرت . وقال الربيع بن خثيم ( سجرت ) فاضت

تفسير وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)

وقوله ( وإذا النفوس زوجت ) أي جمع كل شكل إلى نظيره كقوله ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) الصافات : 22
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الصباح البزار حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن النعمان بن بشير أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإذا النفوس زوجت ) قال : الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله وذلك بأن الله عز وجل يقول ( وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون ) الواقعة 7 10 ] قال هم الضرباء .
ثم رواه ابن أبي حاتم من طرق أخر عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير أن عمر خطب الناس فقرأ ( وإذا النفوس زوجت ) فقال : تزوجها أن تؤلف كل شيعة إلى شيعتهم وفي رواية هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة أو النار .
وفي رواية عن النعمان قال سئل عمر عن قوله تعالى ( وإذا النفوس زوجت ) فقال يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار فذلك تزويج الأنفس
وفي رواية عن النعمان أن عمر قال للناس ما تقولون في تفسير هذه الآية ( وإذا النفوس زوجت ) ؟ فسكتوا . قال ولكن هو الرجل يزوج نظيره من أهل الجنة والرجل يزوج نظيره من أهل النار ثم قرأ ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم )
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله ( وإذا النفوس زوجت ) قال ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد ( وإذا النفوس زوجت ) قال الأمثال من الناس جمع بينهم وكذا قال الربيع بن خثيم والحسن وقتادة واختاره ابن جرير وهو الصحيح
قول آخر في قوله ( وإذا النفوس زوجت ) قال ابن أبي حاتم
حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن سوار ] عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يسيل واد من أصل العرش من ماء فيما بين الصيحتين ومقدار ما بينهما أربعون عاما فينبت منه كل خلق بلي من الإنسان أو طير أو دابة ولو مر عليهم مار قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم على الأرض قد نبتوا ثم ترسل الأرواح فتزوج الأجساد فذلك قول الله تعالى : ( وإذا النفوس زوجت )
وكذا قال أبو العالية وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري أيضا في قوله ( وإذا النفوس زوجت ) أي زوجت بالأبدان . وقيل زوج المؤمنون بالحور العين وزوج الكافرون بالشياطين حكاه القرطبي في " التذكرة .