تفسير سورة الليل وهي مكية .
تقدم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ : " فهلا صليت ب " سبح اسم ربك الأعلى " " والشمس وضحاها " " والليل إذا يغشى " ؟ " .
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة : أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق ، فصلى فيه ركعتين وقال : اللهم ، ارزقني جليسا صالحا . قال : فجلس إلى أبي الدرداء ، فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة . قال : كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) ؟ قال علقمة : " والذكر والأنثى " . فقال أبو الدرداء : لقد سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما زال هؤلاء حتى شككوني . ثم قال : ثم ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره ، والذي أجير من الشيطان على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ .
وقد رواه البخاري هاهنا ومسلم ، من طريق الأعمش ، عن إبراهيم قال : قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء ، فطلبهم فوجدهم ، فقال : أيكم يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ قالوا : كلنا ، قال : أيكم أحفظ ؟ فأشاروا إلى علقمة ، فقال : كيف سمعته يقرأ : ( والليل إذا يغشى ) ؟ قال : " والذكر والأنثى " . قال : أشهد أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هكذا ، وهؤلاء يريدوني أن أقرأ : ( وما خلق الذكر والأنثى ) والله لا أتابعهم .
هذا لفظ البخاري
أي بضيائه وإشراقه.
هكذا قرأ ذلك ابن مسعود ، وأبو الدرداء - ورفعه أبو الدرداء - وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو مثبت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق : ( وما خلق الذكر والأنثى ) فأقسم تعالى ب ( والليل إذا يغشى ) أي : إذا غشي الخليقة بظلامه ، ( والنهار إذا تجلى ) أي : بضيائه وإشراقه ، ( وما خلق الذكر والأنثى ) كقوله : ( وخلقناكم أزواجا ) [ النبأ : 8 ] ، وكقوله : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) [ الذاريات : 49 ] .
ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان القسم عليه أيضا متضادا ; ولهذا قال :
( إن سعيكم لشتى ) أي : أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة ، فمن فاعل خيرا ومن فاعل شرا .
"فأما من أعطى واتقى" أي أعطى ما أمر بإخراجه واتقى الله في أموره.
( وصدق بالحسنى ) أي : بالمجازاة على ذلك - قاله قتادة ، وقال خصيف : بالثواب . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، وزيد بن أسلم : ( وصدق بالحسنى ) أي : بالخلف . وقال أبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك : ( وصدق بالحسنى ) أي : بلا إله إلا الله . وفي رواية عن عكرمة : ( وصدق بالحسنى ) أي : بما أنعم الله عليه . وفي رواية عن زيد بن أسلم : ( وصدق بالحسنى ) قال : الصلاة والزكاة والصوم . وقال مرة : وصدقة الفطر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا زهير بن محمد ، حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي بن كعب قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسنى قال : " الحسنى : الجنة " .
قوله تعالى "فسنيسره لليسرى" قال ابن عباس يعني للخير وقال زيد بن أسلم يعني الجنة وقال بعض السلف من ثواب الحسنة بعدها.
ومن جاء السيئة السيئة بعدها.