تفسير
حم
(1)
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل : ) ( حم ) قد سبق الكلام في حروف التهجي . قال السدي عن ابن عباس : حم اسم الله الأعظم . وروى عكرمة عنه قال : الر ، وحم ، ونون ، حروف " الرحمن " مقطعة . وقال سعيد بن جبير وعطاء الخراساني : الحاء افتتاح أسمائه : حكيم حميد حي حليم حنان ، والميم افتتاح أسمائه : مالك مجيد منان . وقال الضحاك والكسائي : معناه قضى ما هو كائن كأنهما أشارا إلى أن معناه : حم ، بضم الحاء وتشديد الميم . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر : حم بكسر الحاء ، والباقون بفتحها .
" تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم "
( غافر الذنب ) ساتر الذنب ، ( وقابل التوب ) يعني التوبة ، مصدر تاب يتوب توبا . وقيل : التوب جمع توبة مثل دومة ودوم وحومة وحوم . قال ابن عباس : غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله ، وقابل التوب ممن قال لا إله إلا الله ( شديد العقاب ) لمن لا يقول لا إله إلا الله ، ( ذي الطول ) ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله . قال مجاهد : " ذي الطول " : ذي السعة والغنى . وقال الحسن : ذو الفضل . وقال قتادة : ذو النعم . وقيل : ذو القدرة . وأصل الطول الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه . ( لا إله إلا هو إليه المصير ) .
( ما يجادل في آيات الله ) في دفع آيات الله بالتكذيب والإنكار ، ( إلا الذين كفروا ) قال أبو العالية : آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " ( البقرة - 176 ) .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا محمد بن خالد ، أخبرنا داود بن سليمان ، أخبرنا عبد الله بن حميد ، حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن ليث عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن جدالا في القرآن كفر " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما يتمارون في القرآن ، فقال : " إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله عز وجل بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوه ، وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه " .
قوله تعالى : ( فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) تصرفهم في البلاد للتجارات وسلامتهم فيها مع كفرهم ، فإن عاقبة أمرهم العذاب ، نظيره قوله عز وجل : " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد " ( آل عمران - 196 ) .
( كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ) وهم الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح ، ( وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ) قال ابن عباس : ليقتلوه ويهلكوه . وقيل : ليأسروه . والعرب تسمي الأسير أخيذا ، ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا ) ليبطلوا ، ( به الحق ) الذي جاء به الرسل ، ومجادلتهم مثل قولهم : إن أنتم إلا بشر مثلنا ( إبراهيم - 10 ) ، ولولا أنزل علينا الملائكة ( الفرقان - 21 ) ونحو ذلك ، ( فأخذتهم فكيف كان عقاب ) .
( وكذلك حقت كلمة ربك ) يعني : كما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة حقت ( على الذين كفروا ) من قومك ، ( أنهم أصحاب النار ) قال الأخفش : لأنهم أو بأنهم أصحاب النار .
قوله عز وجل : ( الذين يحملون العرش ومن حوله ) حملة العرش والطائفون به وهم الكروبيون ، وهم سادة الملائكة . قال ابن عباس : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام ، ويروى أن أقدامهم في تخوم الأرضين ، والأرضون والسماوات إلى حجزهم ، وهم يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
وقال ميسرة بن عروبة : أرجلهم في الأرض السفلى ، ورءوسهم خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة ، وأهل السماء السابعة أشد خوفا من أهل السماء التي تليها ، والتي تليها أشد خوفا من التي تليها . وقال مجاهد : بين الملائكة والعرش سبعون حجابا من نور .
وروى محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام " .
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال : إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام ، والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور ، لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله ، والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة .
وقال مجاهد : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب نور وحجاب ظلمة .
وقال وهب بن منبه : إن حول العرش سبعين ألف صف من الملائكة ، صف خلف صف يطوفون بالعرش ، يقبل هؤلاء ويدبر هؤلاء ، فإذا استقبل بعضهم بعضا هلل هؤلاء وكبر هؤلاء ، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام ، أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم ، فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم ، فقالوا : سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت الله لا إله غيرك ، أنت الأكبر ، الخلق كلهم لك راجعون . ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلا وهو يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر ، ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام ، وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربعمائة عام ، واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نار ، وسبعين حجابا من ظلمة ، وسبعين حجابا من نور ، وسبعين حجابا من در أبيض ، وسبعين حجابا من ياقوت أحمر ، وسبعين حجابا من ياقوت أصفر وسبعين حجابا من زبرجد أخضر ، وسبعين حجابا من ثلج ، وسبعين حجابا من ماء ، وسبعين حجابا من برد ، وما لا يعلمه إلا الله تعالى . قال : ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه ، وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان ، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة ، أما جناحان فعلى وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق ، وأما جناحان فيهفو بهما ، ليس لهم كلام إلا التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد .
قوله عز وجل : ( يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ) يصدقون بأنه واحد لا شريك له .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عمر بن عبد الله الرقاشي ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا هارون بن رباب ، حدثنا شهر بن حوشب قال : حملة العرش ثمانية : فأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك . وأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك . قال : وكأنهم ينظرون ذنوب بني آدم .
قوله عز وجل : ( ويستغفرون للذين آمنوا ربنا ) يعني يقولون ربنا ، ( وسعت كل شيء رحمة وعلما ) قيل : نصب على التفسير ، وقيل : على النقل ، أي : وسعت رحمتك وعلمك كل شيء ، ( فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) دينك ( وقهم عذاب الجحيم ) قال مطرف : أنصح عباد الله للمؤمنين هم الملائكة ، وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين .