تفسير سورة الفتح تفسير البغوي

تفسير سورة الفتح بواسطة تفسير البغوي هذا ما سنستعرض بإذن الله سويًا ،هي سورة مدنية وجاء ترتيبها 48 في المصحف الكريم وعدد آياتها 29.

تفسير آيات سورة الفتح

من
إلى
المفسرون

تفسير إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)

مدنية،خبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات ، كل ذلك لا يجيبك ، قال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس ، وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه ، فقال : " لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس قال : نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " إلى آخر الآية ، مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطهم الحزن والكآبة ، فقال : " نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا " ، فلما تلاها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال رجل من القوم : هنيئا مريئا لك قد بين الله لك ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله الآية التي بعدها : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " ، حتى ختم الآية . اختلفوا في هذا الفتح : روي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس : أنه فتح مكة ، وقال مجاهد : فتح خيبر .
والأكثرون على أنه صلح الحديبية .
ومعنى الفتح فتح المنغلق ، والصلح مع المشركين بالحديبية كان متعذرا حتى فتحه الله - عز وجل - . ورواه شعبة عن قتادة عن أنس : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، قال : الحديبية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان ، يوم الحديبية كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا .
وقال الشعبي في قوله : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، قال : فتح الحديبية ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس .
قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم ، أسلم في ثلاث سنين خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإسلام .
قوله - عز وجل - : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، أي قضينا لك قضاء بينا . وقال الضحاك : إنا فتحنا لك فتحا مبينا بغير قتال ، وكان الصلح من الفتح .

تفسير لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)

قيل : اللام في قوله : ( ليغفر ) لام كي ، معناه : إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح .
وقال الحسين بن الفضل : هو مردود إلى قوله : " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " ( محمد - 19 ) " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " و " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات " الآية .
وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره " ( النصر : 1 - 3 ) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة ، وما تأخر إلى وقت نزول هذه السورة .
وقيل : ( وما تأخر ) مما يكون ، وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء .
وقال سفيان الثوري : ) ما تقدم ( مما عملت في الجاهلية ) وما تأخر ( كل شيء لم تعمله ، ويذكر مثل ذلك على طريق التأكيد ، كما يقال : أعطى من رآه ومن لم يره ، وضرب من لقيه ومن لم يلقه .
وقال عطاء الخراساني : ) ما تقدم من ذنبك ( يعني ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك ) وما تأخر ( ذنوب أمتك بدعوتك .
) ويتم نعمته عليك ( بالنبوة والحكمة ) ويهديك صراطا مستقيما ( أي يثبتك عليه ، والمعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى الصراط المستقيم وهو الإسلام . وقيل : ويهديك أي يهدي بك .

تفسير وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)

( وينصرك الله نصرا عزيزا ) غالبا . وقيل : معزا .

تفسير هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)

( هو الذي أنزل السكينة ) الطمأنينة والوقار ( في قلوب المؤمنين ) لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم . قال ابن عباس : كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا التي في سورة البقرة ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ) .
قال ابن عباس : بعث الله رسوله بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الجهاد ، حتى أكمل لهم دينهم ، فكلما أمروا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقا إلى تصديقهم .
وقال الضحاك : يقينا مع يقينهم .
قال الكلبي : هذا في أمر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق .
( ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ) .

تفسير لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5)

( ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ) وقد ذكرنا عن أنس أن الصحابة قالوا لما نزل " ليغفر لك الله " : هنيئا مريئا فما يفعل بنا فنزل : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات " الآية .

تفسير وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)

(ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ) أهل النفاق بالمدينة وأهل الشرك بمكة ) الظانين بالله ظن السوء ) أن لن ينصر محمدا والمؤمنين ) عليهم دائرة السوء ) بالعذاب والهلاك ) وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ) .

تفسير وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)

" ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً "