مكية
"تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير".
( الذي خلق الموت والحياة ) قال عطاء عن ابن عباس : يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة .
وقال قتادة : أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا جعل الله الدنيا دار حياة وفناء ، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء .
قيل إنما قدم الموت لأنه إلى القهر أقرب : وقيل : قدمه لأنه أقدم لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوهما ثم اعترضت عليها الحياة .
وقال ابن عباس : خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس بلقاء [ أنثى ] وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي ، وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقى على العجل فحيي .
( ليبلوكم ) فيما بين [ الحياة إلى الموت ] ( أيكم أحسن عملا ) روي عن ابن عمر مرفوعا : " أحسن عملا " أحسن عقلا وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله
وقال فضيل بن عياض " أحسن عملا " أخلصه وأصوبه . وقال : العمل لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، الخالص : إذا كان لله ، والصواب : إذا كان على السنة .
وقال الحسن : أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها .
وقال الفراء : لم يوقع البلوى على " أي " [ إلا ] وبينهما إضمار كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله : " سلهم أيهم بذلك زعيم " ( القلم - 40 ) أي : سلهم وانظر أيهم ف " أي " : رفع على الابتداء " وأحسن " خبره ( وهو العزيز ) في انتقامه ممن عصاه ( الغفور ) لمن تاب إليه .
( الذي خلق سبع سماوات طباقا ) طبقا على طبق بعضها فوق بعض ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) قرأ حمزة والكسائي : " من تفوت " بتشديد الواو بلا ألف ، وقرأ الأخرون بتخفيف الواو وألف قبلها . وهما لغتان كالتحمل والتحامل والتطهر والتطاهر . ومعناه : ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض بل هي مستقيمة مستوية . وأصله من " الفوت " وهو أن يفوت بعضها بعضا لقلة استوائها ( فارجع البصر ) كرر النظر ، معناه : انظر ثم ارجع ( هل ترى من فطور ) شقوق وصدوع .
( ثم ارجع البصر كرتين ) قال ابن عباس : مرة بعد مرة ( ينقلب ) ينصرف ويرجع ( إليك البصر خاسئا ) صاغرا ذليلا مبعدا لم ير ما يهوى ( وهو حسير ) كليل منقطع لم يدرك ما طلب . وروي عن كعب أنه قال : السماء الدنيا موج مكفوف والثانية مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة [ صفراء ] وقال : نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء بين [ السماء ] السابعة إلى الحجب السبعة صحاري من نور .
( ولقد زينا السماء الدنيا ) أراد الأدنى من الأرض وهي التي يراها الناس . ( بمصابيح ) [ أي : الكواكب واحدها : مصباح وهو السراج سمي الكوكب مصباحا ] لإضاءته ( وجعلناها رجوما ) مرامي ( للشياطين ) إذا استرقوا السمع ( وأعتدنا لهم ) في الآخرة ( عذاب السعير ) النار الموقدة
"وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير".
( إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا ) وهو أول نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات ( وهي تفور ) تغلي بهم كغلي المرجل . وقال مجاهد : تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل .