مكية
( لا أقسم بيوم القيامة ) قرأ القواس عن ابن كثير : " لأقسم " الحرف الأول بلا ألف قبل الهمزة .
( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) بالألف ، وكذلك قرأ عبد الرحمن الأعرج ، على معنى أنه أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس [ اللوامة ] والصحيح أنه أقسم بهما جميعا و " لا " صلة فيهما أي أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة .
وقال أبو بكر بن عياش : هو تأكيد للقسم كقولك : لا والله .
وقال الفراء : " لا " رد كلام المشركين المنكرين ، ثم ابتدأ فقال : أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللوامة .
وقال المغيرة بن شعبة : يقولون : القيامة ، وقيامة أحدهم موته . وشهد علقمة جنازة فلما دفنت قال : أما هذا فقد قامت قيامته .
( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) قال سعيد بن جبير وعكرمة : تلوم على الخير والشر ، ولا تصبر على السراء والضراء .
وقال قتادة : اللوامة : الفاجرة .
وقال مجاهد : تندم على ما فات وتقول : لو فعلت ، ولو لم أفعل .
قال الفراء : ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها ، إن كانت عملت خيرا قالت : هلا ازددت ، وإن عملت شرا قالت : يا ليتني لم أفعل قال الحسن : هي النفس المؤمنة ، قال : إن المؤمن - والله - ما تراه إلا يلوم نفسه ، ما أردت بكلامي ؟ ما أردت بأكلتي ؟ وإن الفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها .
وقال مقاتل : هي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا .
( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ) نزلت في عدي بن ربيعة ، حليف بني زهرة ، ختن الأخنس بن شريق الثقفي ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم اكفني جاري السوء ، يعني : عديا والأخنس . وذلك أن عدي بن ربيعة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد حدثني عن القيامة متى تكون وكيف أمرها وحالها ؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن [ بك ] أويجمع يجمع الله العظام ؟ فأنزل الله - عز وجل - : " أيحسب الإنسان " يعني الكافر ( ألن نجمع عظامه ) بعد التفرق والبلى فنحييه . قيل : ذكر العظام وأراد نفسه لأن العظام قالب النفس لا يستوي الخلق إلا باستوائها . وقيل : هو خارج على قول المنكر أو يجمع الله العظام كقوله : " قال من يحيي العظام وهي رميم " ( يس - 78 ) .
( بلى قادرين ) أي نقدر ، استقبال صرف إلى الحال ، قال الفراء " قادرين " نصب على الخروج من نجمع ، كما تقول في الكلام أتحسب أن لا نقوى عليك ؟ بلى قادرين على أقوى منك ، يريد : بل قادرين على أكثر من ذا
مجاز الآية : بلى نقدر على جمع عظامه وعلى ما هو أعظم من ذلك ، وهو ( على أن نسوي بنانه ) أنامله ، فنجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار ، فلا يرتفق بها [ بالقبض ] والبسط والأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة وغيرها . هذا قول أكثر المفسرين .
وقال الزجاج وابن قتيبة : معناه : ظن الكافر أنا لا نقدر على جمع عظامه ، بلى نقدر على أن نعيد السلاميات على صغرها ، فنؤلف بينها حتى نسوي البنان ، فمن قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر
( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) يقول لا يجهل ابن آدم أن ربه قادر على جمع عظامه لكنه يريد أن يفجر أمامه ، أي : يمضي قدما [ على ] معاصي الله ما عاش راكبا رأسه لا ينزع عنها ولا يتوب ، هذا قول مجاهد ، والحسن ، وعكرمة ، والسدي .
وقال سعيد بن جبير : " ليفجر أمامه " يقدم على الذنب ويؤخر التوبة ، فيقول : سوف أتوب ، سوف أعمل حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله .
وقال الضحاك : هو الأمل ، يقول : أعيش فأصيب من الدنيا كذا وكذا [ ولا يذكر الموت ] .
وقال ابن عباس ، وابن زيد : يكذب بما أمامه من البعث والحساب . وأصل " الفجور " الميل ، وسمي الفاسق والكافر : فاجرا ، لميله عن الحق .
"يسأل أيان يوم القيامة"، أي متى يكون ذلك، تكذيباً به.
قال الله تعالى : ( فإذا برق البصر ) قرأ أهل المدينة " برق " بفتح الراء ، وقرأ الآخرون بكسرها ، وهما لغتان .
قال قتادة ومقاتل : شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا . قيل : ذلك عند الموت .
وقال الكلبي : عند رؤية جهنم برق أبصار الكفار .
وقال الفراء والخليل " برق " - بالكسر - أي : فزع وتحير لما يرى من العجائب و " برق " بالفتح ، أي : شق عينه وفتحها ، من البريق ، وهو التلألؤ